التدبر ومعاينة الجمال القرآني..

التدبّر في كتاب الله علم وفنّ جميلان، يتيح للإنسان القيام بالتأمل المباشر في كتاب الله المجيد، والتوصل الذاتي لاستخراج كنوزه وذخائره، ونيل لذة الاكتشاف والوصول، وبهجة الإنجاز. 

إنّه يوقف الإنسان مباشرة على مشاهدة معالم الإعجاز القرآني المذهل ومناظر الجمال القرآني الخلاب، والشرب من كوثره الزلال، والارتواء بمعينه الثرّ. 

والمتدبّر في كتاب الله المجيد سيُشده باله، فيقف مذهول اللبّ من عظمة إعجازه البلاغي والتشريعي والعلمي والغيبي وغير ذلك من فنون الإعجاز، وسيقف على عظمة الحقائق الوجودية والإيمانية والفكرية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وغيرها من فنون العلم وصنوف المعرفة التي حواها القرآن بين دفتيه. 

يقول رسول الله  في وصفه للقرآن الكريم: ( وهو الدليل يدلّ على خير سبيل، وهو كتاب تفصيل، وبيان تحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكمة، وباطنه علم، ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له نجوم، وعلى نجومه نجوم، لا تُحصى عجائبه، ولا تُبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى، ومنازل الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرفه ) (1). 

والعرب الذي تشرّبوا البلاغة والفصاحة، وارتووا من كؤوس المعلّقات، ذُهلوا من بلاغة القرآن الكريم، ووقفوا أسارى أمام جماله الخلاب ونظمه البديع.. 

وقد روي أنّ الوليد بن المغيرة المخزومي (والد خالد بن الوليد) "مرّ بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وهو يقرأ حم السجدة، فأتى قومه وقال: قد سمعتُ من محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس والجنّ، إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو ولا يُعلى، فقال قريش: صبأ الوليد"(2). 
 

(1) بحار الأنوار 89/ 17، الباب 1 (باب فضل القرآن وإعجازه، وأنّه لا يتبدّل الأزمان)، ح 16.

(2) بحار الأنوار 9/ 167، الباب 1، باب (احتجاج الله تعالى على أرباب الملل المختلفة في القرآن الكريم).