قاعدة تجري في كل اتجاهات الحياة

قال صديقي يوماً: 

في فترة المراهقة، لإثبات انتقالي الى عالم الكبار، فكرّتُ ببناء جسدي، وتنمية العضلات, فكانت تستهويني فكرة تحول جسدي النحيل الى ذلك الجسد الصلب، وعضلاتي المائعة الى المفتولة اللمّاعة. 

ولأني – كغيري في هذه المرحلة- اعيش الاحلام دون الواقع، قصدتُ ان اختزل جهد السنين ... في ليلة واحدة. 

فاقتنيتُ بعض الاثقال، وذهبتُ الى غرفتي لاجراء اكبر قدرٍ من تمارين الرفع والضغط. في تلك الليلة اجريتُ من التمارين .. الكثير الكثير.

 وبعد ان وصلتُ الى الاعياء زحفتُ الى الفراش موقِناً اني ساستمر على حالي اياماً قليلة.. وربما حلمتُ ببعض مقاطع (پاپاي) في منامي ايضا!

ولكن.. حين استيقضتُ - وليتني لم افعل- وجدتُ الالام في كل خلية من خلايا بدني.. فكل عضلةٍ هامة في جسدي اصابها التشنج الشديد، وخصوصاً عضلة اليد، حيث عجزت حتى عن رفعِ ملعقةٍ صغيرة.

 قال والدي: بُنيّ .. ان الجسد لا يُبنى مرة واحدة،  والا لكان الناس كلهم عمالقة وهراقلة.. بل ان ذلك يحتاج الى جهدٍ (طويل)؛ بتناوب دورات التدريب الخفيفة، شهوراً وسنين .. تتصاعد شيئاً فشيئاً للوصول الى الحالة المطلوبة.

فكرتُ فيما قال صديقي، ثم وجدتُ ان هذه القاعدة تجري في كل اتجاهات الحياة تقريبا.

 فالقانون الالهي في التنمية واحد، لا يختلف كان في بناء الاجساد، او بناء النفوس.. في تنمية العضلات او في تنمية الطاقات والمواهب الروحية.. التدريب المستمر .. والذي يصعد شيئا فشيئا. 

فبعض الشباب حين يعزم على  تنمية ايمانه، يبدأ مرة واحدة في تطبيق كل مستحبٍ في الدين، ويبحث عن اصعب النوافل واشقها .. فيتكلَّفها وهو كارهٌ لها .. وبعد ايام ينفر ويستوحش منها وحشة الطير من الانس. 

فيتكلف ويضغط ويضغط، لكنَّه بدل ان ينمي صبره وارادته وايمانه، يُصيب عضلات روحه بـتشنُّجٍ خطير. أي – حسب المصطلح في الروايات- يُصاب قلبه بالإدبار.. فيتثاقل حتى عن ابسط واجبٍ ديني،  فيُقصِّر في فرائضه.

هذا خطأ فضيع .. فإن (المُنبَتْ لا ارضاً قطع ولا ظهراً ابقى) كما يقول الامام امير المؤمنين لولده الحسن عليهما السلام.

فكما الفرس اذا اريد به السفر، لا يمكن حمله على الجري فترة طويلة (فوگه فوگه!) بل يحتاج الى شيءٍ من الراحة، ومن ضغط عليه اهلك الفرس، ثم بقي في الصحراء تائها بلا مركب. - وهذا تشبيه الحديث اعلاه-

قد تقول: ان مجاهدة النفس تتطلب بعض (الضغط)، اقول: نعم.. (بعض الضغط)، اي يكون في مستوى يتحمله الانسان، لا ان "ينكسر" الايمان تحت ضغطها.

وشخصياً رأيتُ الكثير من هؤلاء: يُفرط فترةً فيكاد يكون مَلَكاً، لكنَّه ينقلب بعد فترةٍ الى شيطان.

ولا ننسى ان "العافية" –بل كل الامور تقريباً- بالتداريج!

اما كيف تحدد مقدار هذه التمارين؟ وكميتها؟ وكيفيتها؟ .. 

الجواب واضح: كما انك تحتاج في تربية عضلات جسدك وبناء جسمك الى "المدرب".. كذلك تحتاج في تنمية ايمانك وارادتك و روحك الى "المربي الفاضل"