عن الدهشة والمتعة واللذة

محمد الحميدي *

(1)

ما علاقة النصوص الإبداعية (الشعرية والنثرية) بالكاتب والمتلقي؟

وما المقصود باللذة والمتعة؟

وهل تندرج الدهشة ضمن هذه العلاقات المتشابكة؟

............ 

محاولة سبر للعلاقة بين: النص والكاتب والمتلقي.

وفق مبدأ الدهشة واتصاله باللذة والمتعة.

لنبدأ.

(2) 

ينبغي التفريق بين أمرين أساسيين يجيب عنهما السؤال التالي:
هل النص الإبداعي نص جمالي أم نص فني؟
وما الفارق بينهما؟

(3)

النص الفني: نص يخضع لقوانين الكتابة ويأتي وفقا لها كما هو مقرر ومحدد من قبل الدارسين والنقاد وأي تجاوز سيعد خرقا للنوع كما فعل أبو العتاهية (أنا أكبر من العروض) أو المحاولات الشعرية التي رافقته وتلته وجاءت على غير الأوزان الشعرية المعروفة.

فهو مصطلح متعلق بالكاتب والكتابة

(4)

أما النص الجمالي: فالقارئ وحده من سيحدد مقدار الروعة والدهشة الكامنة بين كلماته وقد يتناوله بالدراسة والتحليل لبيان الجوانب الإبداعية والجمالية
بينما الكاتب سيزاح جانبا، وسينظر إليه كأي متلقٍ غريب وبعيد وليست بينه وبين النص صلة.

فهو مصطلح متعلق بالقارئ والقراءة


(5)

المتعة التي ينالها المتلقي..
ألها علاقة بالكاتب، وهل تنعكس عليه؟

نعم ولا

نعم لأنه برؤية المديح والإشادة سيشعر بعظمة ما أنجز، وسيبدو كتابع في المتعة للآخرين؛ إذ لا استقلالية لديه هنا

ولا لأنه إن فقد الإشادة سيتوقف عن الكتابة، وسيشعر بأن ما كتبه لا يستحق مجرد النظر إليه.


(6)

إن لحظة اكتمال العمل الإبداعي تعتبر لحظة مفصلية في حياة الكتابة، أما نشره فيعد رهانا على النجاح والفشل
هنا سيظل الكاتب مضطربا ومتوترا لحين الحصول على استجابة لهذا المنجز الذي قدمه

فإذا جاءت بالمديح تلذذ
وإذا جاءت بغير ذلك زالت لذته واستشعر المرارة والخيبة.


(7)

أي كاتب.. 
لا يعلم مقدار العظمة في نصه إلا بعد عرضه على الجمهور وإطلاقه في الفضاء

بهذا تتحقق له اللذة كما يرى بارت الذي جعل الحد الفاصل هو موته النصي وذلك عبر إبقائه بعيدا ومن ثم تناول العمل الإبداعي بالقراءة والتحليل والتأويل وإبراز جمالياته.

(8)

العملية متعلقة أولا وأخيرا بالمتلقي بينما الكاتب تابع له في شعوره ومتعته وتلذذه

لولا وجوده المتلقي ما كان للكاتب أن يشعر بعظمة منجزه وجماله وروعته ولا استطاع الوصول إلى اللذة التي ينشدها ويريدها عبر ممارسة فعل الكتابة.

(9)

إذن المتعة الناتجة عن النص تأتي:
1- من العملية الكتابية وهي قليلة ولا تكاد تظهر
2- ثم تتضخم مع الأثر القرائي فتحتل مساحة إضافية مع ازدياد القراءات وتسليط الضوء عليه وإبرازه، وهنا تظهر اللذة الحقيقية وتتضخم ويشعر الكاتب بفرادة منجزه وبلوغه مستوى غير مسبوق.


(10)

أيهما يقود إلى الآخر: المتعة تقود إلى الدهشة أم الدهشة تقود إلى المتعة؟

الدهشة تقود إلى المتعة لأنها مرتبطة بالفهم الذي بدونه لا تكون للنصوص قيمة
فما حاجة الإنسان إلى نص غير مفهوم أو لا يمكن استيعابه

هنا خطأ يُرتكب، إذ يُكتب كلام جميل إنما غير مترابط، فتنتفي الدهشة.


(11)

الدهشة: صدمة انفعالية، يمارسها عقل المتلقي حيث يبدأ بطرح استجابته التي تكون على شاكلة الإعجاب والتصفيق والإشادة أو التفاعل بالتساؤل والغوص بحثا عن الخبايا والأسرار

هنا يختلف القراء فلكل قارئ نصيب منها، ومن الصعب اشتراكهم جميعا في لحظة الاندهاش وبنفس الدرجة.