الإمام الصادق ( ع ) ... إمام الحوار

اتسم عصر الإمام الصادق بتعدد المذاهب العقائدية والثقافية، فقد كانت هناك فرق الخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والجبرية، وغيرها . 

وكانت بين هذه المذاهب عدة مناظرات و محاورات، وقد اتسم فيها الإمام الصادق (عليه السلام) و أصحابه و تلامذته برفيع الأدب، واستعملوا في ذلك اسلوب الحوار الراقي، وقد رسموا لنا أروع الصور في هذا المجال. و يمكن معرفة ذلك من خلال ما يلي :

  • الحوار ... إثبات الحقائق 

إن الحوار الهادف إنما يكون لإثبات الحق، و هذا ما قام به الإمام الصادق في مناظراته حيث سأله أبو شاكر الديصاني بقوله : ما الدليل على أن لك صانعاً؟

فقال : وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين : إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري، فإن كنت صنعتها فلا أخلو من أحد معنيين، إما أن أكون صنعتها و كانت موجودة، فقد استغنيت عن صنعتها، و إن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئاً ، فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعاً، و هو رب العالمين.
فقام الديصاني و ما أحار جواباً(1). 

  • الحوار ... رد الشبهات 

و قد تكون هناك شبهة معينة حول مذهب معين فإن أفضل وسيلة لردها هو الحوار الهادف، فقد سئل الإمام الصادق ( ع ) عن شبهة المجسمة فقال : إن الجسم محدود متناه، و الصورة محدودة متناهية، فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان، وإذا احتمل الزيادة و النقصان كان مخلوقاً .

فقال السائل: فما أقول؟
فقال (عليه السلام): لا جسم ولا صورة، وهو مجسم الأجسام، ومصور الصور، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ولا بين المنشئ والمنشأ(2) .

  • حدود الحوار 

وكما أن الإمام الصادق كان مدافعاً عن الإسلام ورد الأباطيل و الشبهات، إلا أن هناك حدوداً لابد أن يقف عندها المرؤ ولا يدخل في الحوار بشأنها وهذا ما نهى الإمام أصحابه عنه حيث أنه دعاهم لصد تلك الأفكار والمساهمة في الحوار إلا أنه نهاهم عن الخوض في حوار يستهدف الخوض في الحديث عن ذات الله، فيقول: تكلموا في خلق الله و لا تتكلموا في الله، فإن الكلام في الله لا يزيد صاحبه إلا تحيراً.

ويقول لمحمد بن مسلم : يا محمد إن الناس لا يزال بهم المنطق حتى يتكلموا في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا لا إله إلا الله .

ويقول : تكلموا في كل شيء و لا تتكلموا في ذات الله .

ويقول: إياكم و التفكر في الله، و لكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه (3) .

  • الحوار ... لا الجدال 

وهناك فرق بين الحوار الهادف وبين الجدال العقيم الذي لا هدف له سوى إثارة الفتن والفوضى، و لذا نرى نهي الإمام لأصحابه لأن يخوضوا في مثل هذا الجدال العقيم حيث ورد عنه في وصيته لمؤمن الطاق قوله (عليه السلام): يا ابن النعمان إياك والمراء فإنه يحبط عملك ، وإياك والجدال فإنه يوبقك ... (4). وقد قال تعالى : " و جادلهم بالتي هي أحسن .. " 

  • شخصية المحاور 

وحين الخوض في حوار هادف ينبغي أن تكون شخصية المحاور شخصية ذات كفاءة عالية في مجال المحاورة، وذات إطلاع واسع في موضوع المحاورة، و ذات علم كاف و ثقافة واسعة، وأن يعرف المحاور كيف يناقش ويستخلص النقاط الهامة في هذا الحوار، و إلا فإن حواره سيكون طريقاً للسقوط و قتل الحقيقة التي أراد من حواره إحيائها.

وهذا ما نراه جلياً في أتباع و تلامذة الإمام الصادق فقد " قال خالد الكاملي رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة، قد قطع أهل المدينة إزاره، وهو دائب يجيبهم ويسألونه، فدنوت منه وقلت : إن أبا عبدالله نهانا عن الكلام.
فقال: أو أمرك أن تقول لي ؟
فقلت: لا والله و لكنه أمرني أن لا أكلم أحداً .
قال: فأذهب و أطعه فيما أمرك .
فدخلت على أبي عبد الله ( ع ) فأخبرته بقصة صاحب الطاق، فتبسم أبو عبد الله وقال : يا أبا خالد إن صاحب الطاق يكلم الناس فيطير، و أنت إن قصوك لن تطير (5) .
فمثل شخصية مؤمن الطاق التي تميزت بالحذاقة في صناعة الكلام، وسرعة الخاطر و الجواب، مثل هذه الشخصية يمكنها أن تحاور و تناقش المخالف. 

  • أخلاقيات الحوار 

وأخيراً فإن للحوار أخلاقياته التي ينبغي التحلي بها، نذكرها بصورة موجزة لأنها تحتاج إلى كتابة بحث مفصل: 
الاستماع الجيد من قبل الطرفين والتركيز في الكلام وعدم الخروج عن صلب الموضوع، وإعطاء فرصة للطرف الآخر ليبدي بوجهة نظره، ولا يكون جو الحوار ملؤه التوتر والتشاحن، وأن يتحلى الطرفان بسعة الصدر، وعدم استخدام ألفاظ التجريح والبعد عن الاستهزاء والسخرية من الطرف الآخر، وكذلك احترام شخصيته وعدم التعرض لها بإهانة وما أشبه، والإذعان للحقيقة والتسليم لها.

و أخيراً فإن موضوع الحوار الهادف هو ما نحتاج إلى تعلمه و لعل في سيرة أهل البيت الشيء الكثير و الأمثلة الرائعة في هذا الجانب . 
 

( 1 ) : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة، ج2، ص 414
( 2 ) : المصدر السابق ، ص 415
( 3 ) : المصدر السابق ، ص 410
( 4 ) : المصدر السابق ، ص 74
( 5 ) : المصدر السابق ، ص 70

أخصائي التغذية العلاجية