ظنوا أنهم الراسخون


لسنا مبالغين أو مخطئين ولا حتى مغالين عندما نقول أن  فعل الإمام الحسين ومقامه هو فعل ومقام رسول الله وهو من قام بإعطائه هذه المكانة لو تأملا عميقاً في قوله : "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط" (1)، فـ "مني" تدل على أن الحسين هو جزء مني فعله فعلي وحبه حبي وما يؤذيني مؤذ له،  وقد كان والده أمير المؤمنين الإمام علي نفس رسول الله كما صرح بذلك القرآن الكريم ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ (2)، وهنا سأركز على الجانب المتعلق بالإمام الحسين كوننا لازلنا نعيش أيامه وفي ضيافته متوسلين به في قضاء حوائجنا وإن غابت عنا في هذا العصر هذه الأمور نتيجة لما سيرد ذكره خلال المقال، لذا فإن من يعترض طريق الإمام الحسين وإحياء شعائر الإمام الحسين والتشكيك في معطيات ثورة كربلاء دون دراسة عميقة فكأنما تجرأ على مقام الرسالة التي بينت لنا مكانة الحسين في الإسلام.

 في السنين المتأخرة ظهرت بعض الاتجاهات ممن يحمل أصحابها صفة "مفكرين" أو "مثقفين" أو "علماء" سمهم ما شئت، والذين كانوا ينفثون سموم التشكيك والرفض لبعض المعتقدات بل وحتى العقائد والأسس الرصينة على أنها انفعالات أو عواطف أو موروثات "قديمة" لا تقدم شيئاً في المجال التي تمارس له ومن أجله. فأصبح الإمام الحسين عند بعضهم طالب سلطة وأن قوة الإمام أمير المؤمنين في إدارة أموره كان مرتكزها على الرجلين الأول والثاني بعد وفاة رسول الله محمد ، وأن سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء إنسانة عاطفية تعيش بعض العقد مثلها كباقي النساء فلم ترفعها عصمتها عن بقية النساء، ومنهم من أصبح بقدرة قادر عالماً بعلم الرجال والحديث دونما دراسة أو تعمق فأصبح يرفض جزء من رواية ويأخذ بالآخر حسبما يرى ذلك هواه، ومنهم من تحدث عن البكاء على الإمام الحسين على أنه ينبغي عدم الاستغراق فيه وأن بعض المسيرات المتحركة بطريقة معينة من الولاء ما هي إلا مسيرات كلاب يصفها أحدهم!

كل هذه الاجتهادات الخاطئة من داخل البيت الشيعي ساهمت في التأثير في شريحة كبيرة من الشباب وصرفهم عن ولائهم الخالص إلى طرح الاستفهامات المتكررة والتداعيات الرافضة للمعجز والكرامات بل وحتى التساؤل عن مدى صحة ما يقوم به المعصوم في عصره من أفعال أو ما يتحدث به من أقوال على أنها أمور يستحال أن يقوم بها المعصوم، فأصبحوا في دوامة من حالة الربط والمقايسة الدائمة نتيجة لما يثيره أولئك المثقفون، فبدلاً من تعميق الحالة الدينية والانتماء لأهل بيت العصمة عليهم السلام، صار ديدنهم زعزعة حالة الإسقرار والولاء في نفوس الموالين متجلببين بجلباب الإسلام الذي يعتقدوه في جوانب دون غيرها في الحياة العامة.

كنت أتحدث لأحدهم فقلت له: لكي يساعدك الله في تجاوز مشاكلك كلها توسل بأهل البيت واقرأ أكثر عنهم لتعرف أنه ما خاب من تمسك بهم وطلبهم عن الشدائد فأجاب: أنا أجد طريق التأمل أفضل من التوسل، ولا يقصد به التعمق في أهل البيت وإنما مجرد التخيل والتصور، فوصل إلى التوهم بأن رواية المعصومين حول فضل البكاء على الإمام الحسين وغفران الذنوب ولو كانت بمثل زبد البحر بشرطها وشروطها غير صحيحة وأن أكثر الشعائر الحسينية منها اللطم أيضاً لا فائدة منها سوى "الرقص" على حد تعبير الأخ المثقف، رأيه رأي آخرون مثله! فمن ساهم في خلق هذه الرؤى لدى الشباب؟ أليس ممن تلبّس بلباس الدين ومن يحسب نفسه مفكراً أو مثقفاً بما يحمله من آراء يسمونها " بالعصرية" هم من أثروا سلباً في عامة الناس وأفرغوهم حتى من الارتباط المختزن في أعماقهم بالمنبر الحسيني ومواكب العزاء ومن نجتمع لأجلهم نحيي ذكراهم، فاحتلت آراء المفكرين الغربيين وكتبهم الصدارة في مكتباتنا وفي دقائق أعمالنا وتعمقنا في دراسة نظرياتهم ورؤاهم وأغفلنا مع الخطباء جانب أهل البيت بشكل كبير جداً.

 فمن الضروري واللازم على الغيارى من أبناء الأمة بمختلف الأعمار والمراتب أن يساهموا في ترسيخ عقيدة الناس وتعميق الولاء والحالة المتبادلة من طلب وتوسل وشفاعة وإحياء لأمرهم وشعائرهم كافة ورفض الوصايا المفروضة على الأمة وعلى عقول أبنائها فـ" الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم" (3)

كما ينبغي التركيز على أن الأجر والمقام والأمل والثواب عظيم لمن يقف في صف الحسين وشعائره، فكذلك العقاب عظيم لمن يشكك فيها أو يعرقل إجراءها وعلى المؤمنين التورّع من إبداء الرأي في أحكام الله تعالى وأنّ عليهم التقيّد بالرجوع إلى من لهم الحقّ في الإفتاء وبيان أحكام الله تعالى؛ لأنّ أحكام الله سبحانه وتعالى مهمة جداً وعظيمة عنده، ولا تنال بسهولة في كل أحد؛ بل يبذل الفقهاء الجهد لسنوات من أجل الوصول إليها، وإن التشكيك بقضايا وشعائر الإمام الحسين سلام الله عليه ليس لعباً في نار الدنيا فقط وإنما هو يفسد آخرة الإنسان أيضاً (4).

 فسيبقى الحسين وسيبقى دين الله باقياً راسخاً ببقاء ثورته متقدة ساخنة بما نقوم به من شعائر حية، فالإمام الحسين أسقط دول وأخرس أصوات كل من حاول أن يقف بوجه ثورته حتى بعد استشهاده وبعد مئات مئات السنين، فهو صلوات الله عليه وعلى آل بيته أصل العلم والهداية والنجاة، فكما قال الإمام علي : " أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى، وبنا يستجلى العمى" (5).

 

(1) مستدرك الحاكم: ج3 ص177.
(2) سورة آل عمران: 61
(3) بحار الأنوار: ج2 ص272
(4) السيد صادق الشيرازي – محاضرة مساء 10 محرم 1428 هـ.
(5) ينابيع المودة