تضعضع الدين في زمن الإمام الكاظم (ع) !

 

لقد انتهز الإمام جعفر الصادق    فترة قتال دولة بني أمية في آخر عهدها مع بني العباس على الخلافة بنشر تعاليم الدين و عقائد الإسلام الحنيف , فافتتح مدرسة ينشر بها علوم العقيدة الصحيحة بعد أن كادت تندرس على يد دولة بني أمية , وذلك بسبب ما أضافوه إلى العقيدة من أباطيل وأكاذيب الرواة مقابل الروايات التي تُبين أحقية أهل البيت في الخلافة , إلا أنه انتقل إلى جوار الله تعالى إثر قتله بالسم على يد طاغوت زمنه من بني العباس.

ولقد استقبل الإمام موسى الكاظم    إمامته التي استمرت خمسة وثلاثين عاماً في جو مشحون بالحقد والكراهية لأهل البيت , فلزم جانب الحذر واعتصم بالكتمان إلا عن الخاصة الذين يقدرون حراجة الموقف ويعرفون كيف يدعون إليه.

وفي حديث عن الإمام جعفر الصادق    أنه قال لأحد أصحابه في حق ولده الإمام موسى الكاظم    : ( إن ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك ) .(1)

فحمل الإمام موسى الكاظم    الأمانة العلمية بعد أبيه الإمام جعفر الصادق    ليمارس دوره الرائد في حماية العقيدة الإسلامية حيث اتسم عصر الإمام الكاظم    بوجود الكثير من الفرق الدينية والحركات الشعوبية والعنصرية التي لا أساس لها من الدين سوى الانحراف عن خط القرآن الكريم وخط أهل البيت .

حيث اعتبرت تلك الفترة الزمنية من أخطر الفترات التي عاشها المسلمون , وكان السبب الرئيسي في انتشار هذه الحركات الهدامة يعود إلى :
1. الصراع السياسي الذي أوجده العباسيون لأجل الحفاظ على كرسي حكمهم.
2. الفتوحات الإسلامية التي نقلت الكثير من الثقافات والمعتقدات التي تعود للأمم الأخرى.(2)

ولقد حاول العباسيون من خلال تسلطهم على كرسي الخلافة الإسلامية وعن طريق إيجاد فرق كلامية ومذهبية لا واقع لها في الشارع الإسلامي ويدعمهم في ذلك المناوئين للخط الفكري والعقائدي لأئمة أهل البيت وشيعتهم أن يضربوا الاتجاه العقائدي لأهل البيت وتشويشه وتعمية السبل إليه.

فجاء الإمام الكاظم    ليرعى الخط الذي رباه أبيه الإمام الصادق    ويحفظ فيه العقائد الصحيحة والأهداف الإلهية التي خطها الشرع المبين , ويثير روافده ويفجرها حياة في الفكر ووضوحاً في الرؤية الإلهية , ليكون في طليعة الذين وقفوا ضد الانحراف العقائدي الذي حصل أيام خلافة الدولة العباسية , فالإمام    حاول ومن خلال زرع الكثير من شيعته الموالون له في نظام الحكم العباسي ليكونوا درعاً حصيناً ومحافظة للعقيدة الإسلامية وحسب ما تقتضيه المصلحة الإسلامية , وحسب ما تمليه الظروف السياسية كذلك.

فقد ظهر في زمن الإمام الكاظم    صنوف كثيرة من الفرق , منها : الزرارية والعمارية واليعفورية والأقطعية والجواليقية والزندقة .(3)

وإن الخلفاء وأعوانهم كانوا يمارسون عملية استدراج منظمة ومدروسة للطليعة المثقفة لطرح قضاياهم الفكرية والإعراب عن خصائصها العقائدية , وكانوا يستفيدون من ذلك في فهم مدى استجابة الناس لهذا الفريق أو ذاك , والوقوف على تأثرات هذا الفكر وانعكاسه على حالة التعامل والحركة لدى الناس , فإنهم بفعلهم هذا يخلقون الذرائع للقضاء على تلك الشخصيات والتخلص منها في الوقت المناسب.

وتحت شعار مكافحة الزندقة والقضاء على الزنادقة , استخدمته الدولة العباسية كأداة لضرب المعارضين والتخلص منهم , ومن البديهي أن الاتهام في ذلك العصر بالزندقة كان يسير جنباً إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب الرافضة الذي ينتمون إلى أهل البيت , وقد أجاد الشاعر حينما قال :

ومتى تولى آل أحمد مسلم قتلوه أو وصموه بالإلحاد

وقد عانى الإمام الكاظم    من طواغيت زمانه : أبو جعفر المنصور و المهدي العباسي و الهادي العباسي وقاتله هارون الرشيد , فكانت مواقفه العامة معهم من الأمور المهمة التي يجب الإطلاع عليها ليتخذها المؤمنون مشعل هداية وإيمان خلال مسيرة حياتهم وهم يسيرون على خط أهل البيت , فقد حفلت حياة الإمام    بالكثير من المواقف الصعبة والتي زخرت بالنضج الرسالي والإيماني والحنكة السياسية التي امتاز بها الإمام   .

   

(1) قرب الإسناد : ص193
(2) العبد الصالح : ص230
(3) تنقيح المقال : ج3 ص296