العقليات بين التفهم والتحجر ؟!

خلق الله عز وجل الإنسان بأحسن صورة وأودع فيه عقلاً ليميزه عن باقي المخلوقات وليزيده كرامةً بهذا العضو ، قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (1) .

ولكي يفكر الإنسان بهذا العضو ، ويبحث عن الخالق ويعبده ، ويفرق بين الحق والباطل والنور والظلام ، ولقد أرسل الله تعالى الأنبياء للخلق بالآيات البينات والمعجزات الباهرات ، فبعض البشر أخذ يعرض هذه المعجزات على عقله ويتفكر فيها بتفهم فأدرك إنها أمور خارجه عن الطبيعة وقدرة البشر ولا يأتي بها إلا رجل أرسله خالق الكون المستحق للعبادة ، والبعض الآخر وللأسف هم الأكثرية أخذتهم العزة بالإثم والتكبر على الناس والتجبر على الضعفاء والعدوان الغير مبرر والعناد وما إلى ذلك وأغلق عقله عن التفكير فأصبح عقله متحجراً وأكثر صلابة من الصخر ، فبئس الرجل وبئس المهاد ، قال تعالى ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (2).

والحمد لله ففي العصر الحاضر ظهرت عقليات متفهمه في جميع المذاهب الإسلامية تتفهم المذهب الآخر وتدعو إلى التمسك والتكاتف والاجتماع ولمَّ شمل الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها ضد كل من يحاول تحطيم الدين الإسلامي ونبذ الفرقة والاختلاف والنعرة الطائفية إلا إن البعض من الناس ما زالت عقلياتها متحجرة لا تريد التفهم ومحاولة التقريب بين المذاهب وتعتبره نوع من الضعف والجبن لتلك الشخصيات التي تدعو إليه وتتناسى قول تعالى : ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ (3) وتحاول إفشاء الفتنة الطائفية بين الشعب الواحد وأبناء الدين الواحد لكسر شوكتهم وتحطيم قوتهم ، وربما يكون هؤلاء وقعوا ضحية مؤامرة من قِبل أعداء الإسلام ويحسبون أنهم يعملون خيراً للأمة الإسلامية ، قال تعالى : ﴿ أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (4) .

إن أصحاب العقول المتحجرة والمنغلقة من الدين الإسلامي دائماً يكون ديدنهم التنابز بالألقاب التي تثير النعرة الطائفية وتفرق بين الأشخاص فتراهم ينادون من يخالفهم بالمعتقد أو الرأي بـ( الرافضي ، أصحاب القبور ، الناصبي ، الوهابي ، اللبرالي ، ...... إلخ ) وأحياناً تصل إلى تكفير الشخص وإباحة دمه وعرضه ويسدون آذانهم عن كل من يدعو إلى الوقوف صفاً واحداً مقابل هذه الألقاب ، ويمرون على الآية الشريفة صماً لا يفقهون ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (5) .

إن واجبنا كمسلمين ومؤمنين أن ندعو إلى الدين الإسلامي مهما اختلف المذهب ونقف صفاً واحداً معاً ونبني جداراً سميكاً ضد كل من يدعو إلى هدم الدين القويم وننزع من نفوسنا الكراهية والحقد والحسد وكل الأخلاق الذميمة ونبيض أرواحنا بأخلاق الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وأخلاق أهل بيته الطيبين الطاهرين ، ففي النهاية كلنا إخوان في الإنسانية والدين .

(1) سورة الإسراء : الآية 70
(2) سورة البقرة : الآية 206
(3) سورة آل عمران : الآية 103
(4) سورة التوبة : الآية 49