الزيارة والتردّد على المرقد


 تمثّل الزيارة أعلى صور الارتباط بين النّاس، وهي في عرف العقلاء تعني التوجّه والإقبال، ونأخذ في الحديث عنها بشكلٍ موجز ضمن عدّة نقاط:

1

  تشريع زيارة موتى المسلمين عموماً سنّة ثابتة من سنن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، حيث زار قبور آبائه وخديجة في الحجون بمكّة، وزار قبر أمّه بالأبواء، ومقبرة البقيع كلَّ اثنين وخميس، ومضى على أثره أصحابه، وفي مقدّمتهم الإمام علي والزهراء عليهما وآلهما السلام، فكانا يزوران أُحد كلَّ جمعة، ويصليان هناك، وفي خصوص زيارة الإمام الحسين عليه السلام ورد عنه وعن آله الشيء الكثير، منها:" من زار الحسين بعد مقتله كان كمن زار الله في عرشه"، و"من زار الحسين عارفاً بحقّه وجبت له الجنّة"، و"من زار الحسين غفر الله له ذنوبه"، و"قُتل الحسين مكروباً، وما زاره مكروبٌ إلاَّ فرَّج الله كربته"...إلخ.

2

 من مميزات الزيارة التخاطب مع صاحب القبر، وهذا ثابت بحسب ما ورد من مخاطبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لأهل القبور في وادي السلام، وأجاب على سؤال من سأله بقوله:" لو كشف لك الغطاء لرأيتهم حلقاً حلقاً يتحدَّثون"، بل وحتّى الكافر حيث خاطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم قتلى بدر من الكفّار لمّا رماهم في القُليب وتحدّث معهم قائلاً:" قد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربُّكم حقّاً؟"، فاعترض عليه بعضهم فأجابه:" ما أنتم بأسمع منهم، ولكنّهم لا يقدرون على الجواب"، وأيضاً يستفيد زائر القبر التأثّر بأحوال الميت وما آل إليه أمره "زوروا موتاكم فإنها تذكّركم بالآخرة"، وأمّا الميت فيأنس بزائره أشد من أنس الأحياء بالأحياء، وهذه فائدة لصاحب القبر، مضافاً إلى إيصال ثواب الأعمال الخيرة كالصلاة والدعاء وقراءة القرآن وأعمال البرّ إليه.

3

 تشتمل زيارات الأئمة عموماً على العقيدة المتمثلة بالتوحيد والرسالة والمعاد، وعلى ذكر مقام الإمام، وعلى موقف الزائر من الولاء للإمام، وأغلب زيارات أولاد الأئمة لم ترد فيهم زيارات منصوصة كالسيدة زينب والسيدة رقية والسيد نفيسة والسيدة المعصومة والسيدة حكيمة، بل وحتّى أمهاتهم الطاهرات السيدة خديجة والسيدة آمنة عليهن السلام، وإنما الوارد فقط في زيارة السيد الزهراء عليها السلام، ولا بأس ما كتبه العلماء ممّا يمثّل العقيدة ومقام المزور، وولاء الزائر، نعم ورد في أبنائهم من استشهد في كربلاء، وخاصّةً العبّاس والأكبر عليهما السلام.

4

 من أفضل الزيارات التي يزار بها الإمام الحسين عليه السلام زيارة وارث، ومن الزيارات الوارد استحبابها حتّى ورد فيها: "كان كمن زار الله في عرشه" زيارة قبره الشريف يوم عاشوراء، وننبّه على أنّ ما ورد فيها: "اللهمّ العن العصابة التي جاهدت الحسين"، هذا النصّ أخذه الشيخ عبّاس القمّي من الشيخ الطوسي الذي هو من أعلام القرن الخامس الهجري، ولو رجعنا للشيخ الطوسي لوجدناه قد أخذ الزيارة من الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن قولويه من أعلام القرن الرابع وهو أقرب إلى عصر الغيبة الصغرى من الشيخ الطوسي، وفي نسخته بدل "جاهدت" "حاربت"، بينما نجد نسخة "جاهدت" هي المنتشرة في أوساط المؤمنين؛ لأنّهم أخذوها من مفاتيح الجنان، أضف إلى هذا أنّ كلمة الجهاد بكلّ مشتقاتها في النصوص الإسلامية كالقرآن الكريم ونهج البلاغة وجميع الأدعية تنطوي على معنىً مقدّس، فلا يصلح أن ننسبه لطائفة باغية قاتلت الإمام الحسين عليه السلام.

5

 ينبغي أن تكون زياراتنا للمعصومين عليهم السلام خالصةً، لا لأجل قضاء الحوائج فقط، فإذا عرضت لأحدنا حاجة، أو ألمَّت به ضائقة طرق أبوابهم ووقف على أعتابهم، وإلاَّ لا يعرف أين الطريق لقبورهم، ولا ريب أنّ الله قد جعل مراقد أجسادهم أمكنةً مقدّسة، يستجاب فيها الدعاء، ويدفع الله عن الزائرين البلاء.


السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك عليك منّي سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين .

اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود وثبّت لي قدم صدقٍ عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين .