الحج بين منافع الدنيا والآخرة

الأستاذ حسين صليل *

 إن الله سبحانه وتعالى قد شرع مجموعة من العبادات وأمر عباده بأدائها ، فبعضها يؤدى يومياً كالصلاة وبعض مرة في السنة كالصيام وبعض آخر مرة في العمر كالحج ، ومما لاشك فيه أن الله عز وجل لم يشرع هذه العبادات وغيرها عبثاً بل لغايات وأهداف سامية تعطي ثمارها للفرد والمجتمع وفي الدنيا والآخرة ، وإن كانت بعض هذه الغايات غير معلومة لنا، لكن يكفينا أن أدائها يتجلى فيه معنى العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى حيث أن امتثال الأمر الإلهي يربي النفس .
قال الله تعالى في كتابه الكريم مخاطباً نبيه إبراهيم " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" 
هذه الآيات الشريفة الآنفة الذكر تبين بوضوح أن الحجيج الذين يؤمون البيت الحرام ويؤدون هذا المنسك العظيم يحصلون على منافع من أدائهم للحج وليس منفعة واحدة ، فالحاج الذي أنفق ماله وخلف أهله وعياله وخرج من ماله وعشيرته لا يرجع صفر اليدين بل  يحصل على مجموعة من الفوائد والأرباح الدنيوية والأخروية ، ونحن في هذا المقام مع قرب موسم الحج نتأمل قليلاً في هذه الشعيرة لنقف على بعض من هذه الفوائد التي يجنيها الحاج :
1- الحج والتربية الروحية والنفسية :
حين نتأمل في مناسك الحج من حين الإحرام إلى الفراغ من جميع المناسك نجد أنها تربية عملية للإنسان ، يقول الله سبحانه وتعالى " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"    .
عندما يحرم الحاج فإنه يلتزم بترك خمسة وعشرين محرماً أو أقل أو أكثر على اختلاف الفقهاء في بعضها ، قبل الإحرام يستطيع الصيد وشم الطيب والتظليل عن أشعة الشمس ، يستطيع ..إلخ ، لكن عندما يحرم فإنه يتجرد من ملذاته حتى من ثيابه لا لشئ إلا امتثال الأمر الإلهي هنا تتجلى العبودية التامة لله سبحانه وتعالى ، إن من يؤدي هذا المنسك ويلتزم بترك هذه المحرمات التي كان يفعل بعضها قبل الإحرام بشكل روتيني وتلقائي لكنه في الحج يتوخى الحذر من فعلها ، لاشك أن هذا سيكون له الأثر البالغ على نفسه ويربيها على الطاعة لله سبحانه ، فإنه في الحج يترك أشياء أحلها الله له في الأصل لكنه يتركها وقت الإحرام فقط ، فكيف له أن يفعل ما حرم عليه بالأصل، هنا تسمو روح الحاج المؤمن ، أما من لا ينعكس الحج على حياته إيجابياً فعليه أن يشك في أنه لم يحج الحج الحقيقي وإنما كان صورياً قشرياً خال من اللباب ، فالحج يعمق في الإنسان المؤمن التقوى وينميها  .
2-  الحج والمنافع الأخروية:
الحاج الذي توجه إلى الله سبحانه وتعالى وأنفق ماله في سبيل الله ، وأصبح من وفد الله ومن ضيوفه ، فإن الله الكريم لا يخيب وفده لا يرد ضيوفه بل يرجعون وليس عليهم شئ من الذنوب ، وقد ورد في روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة والطهارة تؤكد ما للحج من منافع في الآخرة نستعرض بعضاً منها :

 1- الحج يوجب غفران الذنوب

إن الإنسان غير المعصوم لا يخلو من ذنب ، والذنب يحتاج إلى التوبة وليس أفضل لطلب التوبة من اختيار الزمان والمكان المناسب والأفضل والأرجى للمغفرة من الله ومن أفضلها مواقف ومشاهد  الحج ، وقد ورد في الرواية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق "من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة "، فإذا فاتك بركة شهررمضان المبارك فهناك فرصة الحج والوقوف بعرفات والمشعر الحرام .   

  2- الحج يوجب الجنة 

الإنسان المؤمن يطمع في ثواب الله سبحانه وتعالى وفضله ويتطلع إلى موجبات رحمته ، وإن الحج لهو من أفضل القربات إلى الله سبحانه لينال العبد الفوز بالجنة والرضوان فعن رسول الله  "الحجة ثوابها الجنة، والعمرة كفارة لكل ذنب"

              
  الحج ومنافع الدنيا          
 لاشك أن شرائع الله عز وجل من واجبات ومستحبات ، أو محرمات ومكروهات ، سواء في الجانب العبادي أو الجانب المعاملاتي تعود بالنفع على الإنسان في الدنيا قبل الآخرة ، فبعض من الناس يظن أن الالتزام بالأحكام الشرعية يوجب الجنة والبعد عن النار فقط ، دون أن يكون له مدخلية بالمصالح الدنيوية ، لكن لو تأملنا قليلاً لوجدنا أن هذه التشريعات تنظم حياة الإنسان في الدنيا سواء من الناحية المادية أو المعنوية ويكون جزاء الالتزام بها الفوز في الآخرة لكنها لمصلحة الإنسان في الدنيا أولاً وإن خفي عليه العلة والغاية أحياناً ، والدنيا هي مزرعة الآخرة فكيف يجني الإنسان الخير في الآخرة دون صلاح الدنيا .

عن علي بن الحسين قال" حجوا واعتمروا تصح أبدانكم وتتسع أرزاقكم وتكفون مؤنة عيالكم " ، هذه الرواية الشريفة توضح بجلاء بعضاً من منافع الحج على الإنسان في الدنيا ، فقد يتصور بعضنا أنه يتعب من الحج ويمرض ، وأن ما ينفقه ذهب وسيخلف لعياله الفقر ، هذه الرواية الشريفة تبين لنا أن العكس تماماً يحدث فإن الحج يأتي بالصحة ويوسع الرزق ويبعد الفقر، هل هناك تجارة رابحة أفضل من هذه التجارة التي ثوابها الجنة والمغفرة والرضوان في يوم القيامة ، وفي الدنيا الصحة والسعة في الرزق.

وقد وردت الروايات الكثيرة التي تؤكد على أداء حج الإسلام الواجب  فعن الإمام الصادق من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً" ، فمن ترك الحج دون عذر فإنه لا يموت على ملة الإسلام .   

 ولأهمية الحج وفضله فإننا نجد تركيزاً كبيراً في أدعية شهر رمضان المبارك وخصوصاً ليلة القدر على طلب التوفيق للحج ، وهناك دعاء يسمي بدعاء الحج يقرأ في ليالي شهر رمضان  .
 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من حجاج بيته الحرام المغفور ذنوبهم المكفر عنهم سيئاتهم ، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، والله والمستعان.
                         

كاتب ( السعودية )