فئة لاتتقن إلا مهنة الهدم ( 2-2 )

بسم الله الرحمن الرحيم

• ازدواجية التعاطي مع حرية المعتقد

عمد الفكر المتشدد إلى التعامل مع مسألة التوسل والبناء على القبور بازدواجية بين أغلب المسلمين من جهة والطائفة الشيعية من جهة أخرى ، فالمتابع لمسألة التقديس والتوسل بالأولياء الصالحين يجدها مسألة شائعة عند شريحة كبيرة من المسلمين ويؤيدها علماؤهم ولايرونها من الأمور الشركية ، وربما يُشكلون في بعض الممارسات المرتبطة بها وليس إلى حد إخراجهم من الدين ونعتهم بالمبتدعة والمشركين .

لكن عندما تصل المسألة إلى زاوية الطائفة الشيعية عندها تأخذ منحى طائفي متعمد يصل إلى حد الإخراج من دائرة الإسلام فتستباح بذلك دماؤهم وأعراضهم ، وهذا ما أدى إلى حمامات الدماء في أفغانستان وباكستان وما يحدث الآن في العراق تحت هذه العناوين بفتاوى تكفير علنية أمام العالم للطائفة الشيعية وعلمائها ، كما فعل إمام الحرمين الشيخ الكلباني في مقابلة مع شبكة بي بي سي البريطانية . 

والعجيب أن شخصيات إسلامية تحتل مناصب متقدمة في مؤسسات إسلامية تدعو للتقريب والحوار  وقعت في المستنقع القذر وأيدته ، وهذا مافعله الشيخ القرضاوي عندما نعت الطائفة الشيعية بالفرقة المبتدعة ، بينما أخذته الحمية مع عدد من علماء مسلمين للسفر عنوة إلى أفغانستان ليطلبوا من حركة طالبان التراجع عن هدم تماثيل بوذا لأنه انتهاك سافر للديانات ولحقوق الإنسان من وجهة نظرهم .

فعجباً كيف خرست تلك الألسن عندما استبيحت دماء الأبرياء في المساجد والجوامع والأسواق في شلال دم لم يشهد التاريخ الحديث مثله من فداحة مآسي وتفجيرات تحت ذريعة الجهاد في العراق ؟ !! والأعجب من موقف القرضاوي وأمثاله عند تفجير مرقدي الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء وكأن المسألة لاتعنيهم  ولاتمت لهم بصلة ، وهي انتهاك سافر لحرمة المؤمن ، فالحديث عند المسلمين : ( حرمة المسلم حياً كحرمته ميتاً ) ، فنسأل القرضاوي وأمثاله : إذا كانت المجسمات والتماثيل تمثِّل حرية الإنسان ، أليس تفجير المرقدين في سامراء انتهاك لحرمة للإنسان فضلاً عن المسلم ؟  أليس من باب أولى أن الإنسان المسلم أكثر حرمة من تلك التماثيل ؟ أوليس قتل الأبرياء أكثر جرماً ؟ أوليس للشيعة حرمة المسلمين وهم ينطقون الشهادتين وتأتي لتنعتهم بالمبتدعة ؟ .

وفي المقابل كان موقف مراجع الشيعة في العراق موقفاً مغايراً لموقف القرضاوي وأمثاله فأكدوا على حرمة إخوانناأهل السنة ، واحترام اختلاف المذاهب ، وإطفاء فتنة مذهبية أُريد إشعالها بين الشيعة والسنة في العراق ؛ لذلك أفتوا بحرمة التعدي على أحدهم أو على رمز من رموزهم من بعد يوم تفجير مرقدي الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء، وكان موقفهم ثابت حتى بعد قتل وتشريد الآلاف المؤلفة من أتباع أهل البيت عليهم السلام حتى يومنا هذا . 

ومن المواقف الازدواجية أن أغلب الطوائف الإسلامية في أصقاع العالم لاتعترف بهذا المنهج المتشدد بالرغم من محاولة مريديه فرضه ونشره في العالم ، ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً ، فحالة التشدد والحدية تزداد حينما تتعلق المسألة بالنبي وأهل البيت عليهم السلام ، فإذا قمنا بجولة قصيرة في العالم الإسلامي نجد مقامات الأولياء الصالحين تملأ تلك الدول ويقصدها الشارد والوارد من جميع الطوائف و تبنى عليها المساجد والأضرحة ، وأقرب مثال حي معلم الإمام البخاري والقبة المبنية فوق قبره والضريح الذي يحاط حوله والمسجد الذي يقصده الآلاف المؤلفة من المصلين لكي يؤدوا الصلاة فيه وهذا شاهد واضح على هذه المسألة  .

تذكرت أيضاً موقف الدكتور الهاشمي في برنامجه الحواري الراقي مابعد التراويح عندما تكلم شيخه البلوشي صاحب العمة السوداء حول مايقوم به هؤلاء – يقصد من يتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأولياء الصالحين -بأنها من أفعال الوثنيين الهنود ، فجأة غضب الدكتور الهاشمي واستوقف البلوشي ورفض منه ذلك الكلام ، وقال : لا أسمح لك بالتعدي والتطاول على طائفة حتى لو كانت وثنية  ولايوجد من يمثلهم في هذا المكان!! ، في حين تسمح هذه القناة البغيضة بالنيل من الطائفة الشيعية ونعتهم بأقبح النعوت والصفات كمشركين وكفار  ومبتدعة من البلوشي وشاكلته ، فلا يحرك الهاشمي أي ساكن لمنعهم وصدهم ، فعجباً يقف الهاشمي لكي يدافع عن ذلك البوذي تحت ذريعة احترام العقيدة وكرامة الإنسان ، أما المسلمون الشيعة فيجوز أن تقول فيهم ماشئت ، ولا كرامة لهم !! .

• فئة لاتتقن إلا مهنة الهدم

أذكر في هذا المقام قصة أحد الشباب الزائرين لأئمة البقيع عليهم السلام حينما جاء أحد أعضاء الهيئة ليفتح النقاش معه في مسألة البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها ، فلم يرَ الشاب جواباً إلا أن أشار بيده إلى القبة الخضراء الموجودة على قبر سيد الأنام صلى الله عليه وآله ، فقال بلغة المتغطرس : لو كان في يدي لأزلت هذه القبة  !! وهذه هي اللغة المتشددة عند أمثال هؤلاء ، وهي اللغة التي أدت إلى إصدار فتاوى التكفير والشرك من جهة ووجوب هدم الأضرحة المبنية على القبور من جهة أخرى .

واستطاع التهريج الإعلامي الترويج لكثير من الافتراءات عن الشيعة ومعتقداهم ، ومنها فكرة حج الشيعة لكربلاء مستغلين بعض المواقف والألفاظ التي تصدر من بعض عوام وعلماء الشيعة وتفسيرها حسب مايريدون ليكسبوا أصوات المجتمع الإسلامي فيما أرادوا إثباته حول ما يشاع عن الشيعة ومعتقداتهم الشركية على حد تعبيرهم !! .

فالسؤال البديهي الذي يُطرح على مروجي هذا التهريج الإعلامي البغيض : لماذا يحج الآلاف المؤلفة من الشيعة لبيت الله الحرام كل عام ؛ إذا كانت زيارة الإمام الحسين عليه السلام تغنيهم عن فريضة الحج  ؟ بل كيف يُشرك أهل البيت عليهم السلام  مع الله جل جلاله في العبودية ؟ وكل زوارهم تردد صباح مساء : أشهد أنكم قد أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وعبدتم الله حق عبادته وجاهدتم في الله حق جهاده ، فهل يعبد الإنسان رباً يصلي لغيره ويقر أنه عبد لله ؟!! . فوقوفنا على قبره تجسيداً واستذكاراً لمبدأ القيمة التي قدمها الإمام الحسين عليه السلام في سبيل الله ولإبقاء دينه ، وكيف ضحى بمهجته وكل شيء يملكه في  سبيل مرضاته ، وهو تعبير صادق عن مودة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته .
نهاية المطاف نقول :  إن أغلب المسلمين يرون في التوسل وبناء الأضرحة جائزة بناء على رؤية فقهية يستندون عليها ، وتجسيداً لعطاء الإنسان ودليلاً على مرضاة الله عليهم بناءً على ما قدموه في سبيل الدين والعقيدة فهم كرماء عند الله بقدر مكانتهم ومنزلتهم عنده .

كما أنَّ الدعوة إلى الله فيما يختلف عليه المسلمون لايؤخذ عنوة وقصراً بل تتخذ طريقاً واحداً يتمثل في أخذ البشر بمبدأ الحوار والتسامح ،  والسعي في تقريبهم من رحمة الله لا بإدخالهم في الشرك والبدع وتوزيعهم في غرف جهنم ، فهذه لغة ومنهج بعيد عن قيمة الإسلام الحقيقية .

والمنطق الأصح هو منطق القرآن: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ النحل125

وأخيراً نقول : إن الإسلام جاء ليبني حياة البشر على مبدأ التسامح والإقناع والتعايش ويزرع الخير والأمل في أرجاء المعمورة ؛ لأنه روح التسامح والمحبة واحترام قيمة الإنسان ، ولم يأت ليهدم ويفجر كما يفعل أمثال هؤلاء باسم الإسلام والعقيدة ؛ لأنهم لا يمتلكون إلا معولاً شغله الشاغل هو الهدم والتخريب ، و فكراً لاينطق إلا كلمة الشرك والكفر والبدع .

 والعجيب أن معولاً كهذا يهدم وينسف كل شيء يقف أمامه سواء كانت كلمة أو إنساناً أو مَعلماً يخالفه ،  والأعجب كيف استخدم أمثال هؤلاء ذلك المعول لمحاربة الأموات في قبورهم ؟ فنقف متسائلين : إذا لم يسلم من هذا المعول حتى الأموات في قبورهم ، فهل سيسلم منه الأحياء من البشر ؟ !! ومن فرض الإجابة نعرف أن بعضهم لا يتقن إلا مهنة الهدم .