طاقة أرامكو بلا شياطين

ناصر موسى الحسين *

عندما عرض البروفيسور جيمس بليث على سكان قريته «ماريكيرك» الاستفادة من فائض الطاقة الكهربائية التي أنتجها من الرياح عام 1887 جاوبوه بالرفض، اعتقادًا منهم أن الكهرباء من «عمل الشيطان»، كانت تلك المرة الأولى التي استثمرت فيها الرياح في إنتاج الطاقة الكهربائية. اليوم، وبعد مضي 130 عامًا على هذا الابتكار، أصبحنا على أعتاب إنتاج طاقة نظيفة باستثمار الرياح، فقد أعلنت شركة أرامكو السعودية قبل أيام عن باكورة مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة، وحصولها على أول رخصة من نوعها محليًا لتوليد الطاقة الكهربائية من الرياح.

الطاقة سينتجها توربينان هوائيان طورتهما شركة جنرال إليكتريك، وتبلغ السعة الإنتاجية للمشروع 2.75 ميجاواط سنويًا مخصصة لاستهلاك شركة أرامكو، وهي طاقة تكفي لإمداد 250 منزلًا بالكهرباء عوضًا عن استهلاك 18600 برميل نفط سنويًا لإنتاج الكمية ذاتها من الكهرباء، على أن يصل حجم إنتاجها باستخدام مصادر الطاقة المتجددة 9500 ميجاواط من الكهرباء بحلول عام 2020.

لقد طال انتظارنا لمثل هذه المبادرات التي تساهم في خلق تنمية حقيقية وتضعنا على المسار الصحيح في قضية إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، والحفاظ على البيئة التي تختنق كل يوم بفعل حرق النفط، وحتى لو كانت الخطوة متأخرة، قياسًا بعمر هذه التقنية وتجارب الدول الأخرى، إلا أننا عندما نصل متأخرين في إنتاج طاقة متجددة خير لنا من البقاء على إنتاج طاقة تقليدية مضرة بالبيئة.

ما نرجوه هو ألا تتوقف أرامكو عند هذا الحد فتكتفي بالمشروع في حدوده الإنتاجية، بمعنى الاكتفاء بهذا الحجم من الطاقة، أو أن تبقى على طاقة الرياح فقط، بينما بإمكانها الاستفادة أيضًا من المصادر المتجددة الأخرى، فدول العالم (خاصة غير النفطية) تعمل في كل الاتجاهات لتوفير الطاقة، إذ ثمة مصادر متنوعة أخرى تمكن الاستفادة منها لإنتاج الطاقة النظيفة مثل الكتلة الحيوية، الحرارة الجوفية، الطاقة المائية، الطاقة الشمسية، حرارة الشمس، المد والجزر، الأمواج.

ننتظر أن تعمل أرامكو بجد في توسيع القاعدة وتعظيم الاستفادة من الرياح خاصة أن المملكة تمتلك (وفقًا لبرنامج قياس الموارد الطبيعية الشاسعة التابع للشركة) مصدرًا غير عادي للرياح ربما يكون الأفضل على مستوى المنطقة.

كما أن هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج على استعداد لتقديم التسهيلات الممكنة لراغبي الاستثمار في هذا النوع من المشاريع، بل نتوقع تحفيزًا ودعمًا لإنتاج مثل هذه الطاقة، ودفع الشركات الكبيرة الأخرى للمضي في طريق إنتاج الطاقة المتجددة البديلة.

الأسباب التي تجعل من التوجه نحو إنتاج الطاقة من الرياح كثيرة، من بينها أنها الأقل تكلفة مقارنة بجميع المصادر الأخرى من فئة الطاقة المتجددة ومعظم المصادر التقليدية أيضًا، بل تذهب «نيويورك تايمز» في تقرير لها إلى أن تكلفة إنتاج الطاقة من الرياح بلغت 1.4 سنت للكيلووات/‏‏‏ ساعة، مقارنة بـ6.1 سنت من الغاز الطبيعي، و6.6 سنت من الفحم.

إضافة إلى ذلك فإن عملية إنتاج الطاقة من الرياح تُعد صديقة للبيئة فلا ينتج عنها غازات أو ملوثات، كما إن «95% من الأراضي المستخدمة كحقول للرياح يمكن استخدامها في أغراض أخرى مثل الزراعة أو الرعي، كما يمكن وضع التوربينات فوق المباني».

ربما من قبيل الصدفة أن يكون اختيار أرامكو لمحافظة طريف بالذات لاستضافة توربيناتها، فهذه المحافظة كانت قد شهدت توطين البدو الرحل مع مد خط نقل البترول (تاب لاين) عبر أراضيها مطلع الستينيات من القرن الماضي، أقول ربما، ولكن الأكيد أن شيطان «ماريكيرك» لم يكن حاضرًا- والحمد لله- لا مع التاب لاين ولا التوربينات الجديدة.

 

كاتب وصحفي سعودي