اتقوا الله في وحدة مجتمعكم..

الأستاذ بشير البحراني * عن موقع: قطيفيات.

يبدو أن الانتخابات البلدية الأخيرة فجرت مكبوتاً عند كثير من الفئات، وكشفت -بعض الشيء- صوراً ملونة من واقع القوى الدينية والاجتماعية والثقافية في البلاد، كان لكل محلة وبلد حظاً ونصيباً منها.
وهيئ للبعض أنه قدر الانتخابات في العالم هكذا؛ أن يتحول التنافس إلى تناحر، وانتخاب الكفاءات إلى تبجيل للمقامات، ويرفع الصغير صوته على الكبير.. بالرغم من أن الانتخابات من المفترض أن تكون عملية ديمقراطية للتنافس الشريف الذي يؤدي إلى تنصيب الكفاءات مع مواساة لصوت الصغير والكبير وابن هذه البلدة وتلك البلدة.
في بلادنا جرت الانتخابات كما جرت في العراق -وإن كان الفارق كبيراً في المناصب المنتخبة-، وتنافس العراقيون بكل اتجاهاتهم، ووضعوا كل ثقلهم، وتدخلت المرجعية من كل الاتجاهات لتقول رأيها وتزكي من تشاء.. وأخيراً أسدل الستار على يوم عظيم للعراقيين؛ انتصر فيه الشعب بصوته على كل التحديات، ووقف كل العالم مصفقاً لهذا الانتصار.
وفي بلادٍ أخرى، جرت الانتخابات أيضاً، وفرضت القوى العاملة في المجتمع على المستوى الديني والاجتماعي والثقافي صوتها، ليس لأنها تنتمي إلى تيارات معينة، بل لأن المواطنين صوتوا لمن يثقون في كفاءاته، ولهم الحق في اختيار من يشاءون، بعد قراءة واعية لبرامج المرشحين، والاستماع الجيد لآراء العارفين.


 صدمة فئتين من المجتمع:

من الطبيعي في حال نجاح الكفاءات أن يحدث هذا النجاح صدمة كبيرة لدى فئتين من المجتمع:

1- فئة انطلقت في العملية الانتخابية من منطلق الجغرافيا والقومية المناطقية والعرقية، وكانت تعيش أحلامها معتقدة في نفسها بأنها تمثل السيد الذي لا ينبغي للعبد الاعتلاء عليه، وتعتبر نفسها الأصل والآخرين أناس من الطبقة الثانية.
هؤلاء يعتقدون أن الانتخاب المناطقي والعرقي غير قابل للنقاش، بحكم الموروث الذي ظلوا يغذونه سنوات وسنوات، فأعماهم عن حقيقة أمرهم.

2- أما الفئة الثانية، فقد انطلقت في العملية الانتخابية من منطلق القوة الدينية، ويشبهه ما يسميه البعض بالاستحقاق التاريخي، وهي مجموعات جلها من علماء فتنة ومثقفي تعصب وشباب ببغائي، لا يهمهم في العادة مصلحة مجتمعهم، بقدر ما تهمهم مصلحتهم الذاتية، والحفاظ على مكانتهم الشخصية، والإطاحة بمنافسهم فقط لأنه ينتمي إلى مذهب آخر أو يقلد مرجعاً مختلفاً أو لديه رأي يتباين مع بعض آرائهم.

هذه النوعية أخطر على المجتمع، لأنها لن تتورع في توريط المجتمع في الانشقاقات والاختلافات، وسبق في حقبٍ سابقةٍ أن ساهموا في فك صداقات وزواجات بحجج غريبة، وهي ما تفتأ تشوه سمعة الآخرين وتحاول الإطاحة بمكانتهم الدينية والاجتماعية، كتلك الحملات التي تقودها رموز دينية لتسقيط رموز دينية أخرى، وقد زرت في الحج بعثة دينية تفاجأت بأن أهدتني إسطوانات مدمجة تهين مرجعاً دينياً بالصوت والصورة، هذا في الحج، وهو موسم للوحدة والسمو الروحي، فكيف في غيره؟!!

هاتان الفئتان صدمتا بنتائج الانتخابات، أولاً لأنهما استخفتا بشخصية الناخب، وكانتا تحسبان أنه  لن يصوِّت إلا من خلال منطلقاتهما، فإذا ما اتضح عكس ذلك فيما بعد، عاودتا الاستخفاف بشخصيته من جديد، واصفة إياه بالتبعية، وأنه ألعوبة تحالفات كبرى حركته دون وعي منه!!

وثانياً لأن وعي الناخب أفرز نتيجة مفادها أن المعركة الانتخابية تقوم على أساس التصويت إلى الكفاءات والقدرات في المجتمع، وأن الأحلام القومية والمصلحية لا تعدو كونها تخص أصحابها ولا يجوز تعميمها على باقي أفراد المجتمع، وأن على أشخاص كثيرين أن يبذلوا جهودهم في خدمة مجتمعهم أولاً، ثم يطالبوا الجماهير بانتخابهم.


  ما بعد المرحلة..
كل ما يثار في الساحة الآن من تداعيات تقودها أقلام الكتَّاب وتحركات خفية لعلماء الدين وحكايات في المجالس والديوانيات، فإن الرابح هو من نجح بكفاءته، ومن صوَّت لتلك الكفاءة، أما الخاسر فهو من زجَّ بنفسه إلى حرب الفتنة والانشقاق، فخسر ثقة المجتمع فيه.

إن القراءة التاريخية للمنطوق الاجتماعي والديني تؤكد على أن الهدوء هو سيد الموقف دائماً، طال الأمد أم قصر، لكن من واجب الجميع الابتعاد عن فكر التطرف الذي يعمل على التسقيط بدافع المصلحة والعصبية، والالتفاف سريعاً حول فكر الانفتاح الذي يعمل على الوحدة وخدمة المجتمع واحترام الرموز بدافع الإخلاص والنية الصادقة.

وأرجو ألا يستدعي الموقف إلى حدوث (مقاطعة) اجتماعية وفكرية، لكل متطرف يعمل على شق الوحدة والخروج على صوت المجتمع الواعي، كأولئك الثلاثة الذين أرادوا إطفاء طاقاتهم بكسلهم وعدم خدمة دينهم ومجتمعهم ولذلك قرروا عدم الخروج مع جيش المسلمين، فأمر رسول الله جميع المسلمين بمقاطعتهم في قصة معروفة.

إلى الجميع أقول: اتقوا الله عز وجل في وحدة مجتمعكم، ﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب الأنفال:25. 

كاتب ومؤلف من السعودية