بيان الإمام المدرسي دامت بركاته بمناسبة عاشوراء الحسين عليه السلام

شبكة مزن الثقافية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.. وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين..

وجاء محرم.. ودوت صرخة الحق في وجه الباطل، وتعالت صيحة الضمير في وجه عوامل التزييف والتزوير.. وتموجت في النفوس بواعث الخير والصلاح والإصلاح.

  • وجاء محرم..

وإنساب في اذن الدهر كلمة إمام الهدى (هل من ناصر ينصرني؟).. وتجاوبت معه النفوس الأبية والضمائر النقية، فإذا عروش الظالمين تتهاوى على رؤوسهم وإذا بأوراق الخريف تتساقط لتبشر الأمة بربيع العدل والحرية والرفاه والتقدم.

  • وجاء محرم..

وتدفقت تيارات التوبة في كل إتجاه وإذا بالموالين لأهل بيت الرحمة يغتسلون في أنهرها من درن الشك والشرك ومن وسخ الفترةالسلام عليك يا اباعبدالله الحسين والغفلة ليتوبوا الى الله سبحانه ويركبوا في سفينة الإمام الحسين التي هي سفينة نجاة الامة ويستضيئوا بنوره وهو مصباح هدى ويستجيبوا لنداءه وهو الداعي الى الله وليقولوا له: (لبيك داعي الله ان كان لم يجيبك بدني عند استغاثتك فقد أجابك سمعي وبصري)..

وجاء محرم.. 

وليستعد شعبنا في كل بقعة من بلاد الاسلام لكي يهتدوا بهداه ويتحدوا الضغوط ويبنوا حياتهم على أسس الدين الحنيف والشريعة الغراء.
ليتحدوا الغزو الثقافي الذي يستهدف قيم الامة وخلقها الرفيع وركائز إيمانها.
ليتحدوا تحت راية السبط الشهيد ويتحدوا الذين يريدون إضلال الأمة عن شرائع دينها ويستبدلون بها أنظمة شركية.
أوليس الإمام الحسين قام بنهضته المباركة لما قال صراحة: (اني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وشيعة أبي ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر).

  • أيها الأخوة..

كلما أقتربت حياتنا مع أفق الإمام الحسين ونهضته المباركة كلما كانت أغنى بالأهداف السامية وأقرب الى الخير وأولى بالعزة والشموخ وبالرفاه والتقدم.
وإنما كانت عاشوراء شعلة في نفوس الأمة لأن أبناءها عرفوا - وبتجارب متكررة - معاني تلك النهضة وآثارها الخيرة في حياتهم الدنيا فضلا عن درجات الآخرة وأية طائفة اقتربت من هذه النهضة أصبحت اكثر حيوية وخير أملا.

ذلك لأن الأمم لا تقاس حضارتها بما تملك من ثروات مادية وإنما بما لها من ركائز العزم وعوامل النشاط ومبادئ التعاون ومناهج التقدم. وهذه القيم كلها ناشئة من روح العطاء والفداء التي انبعثت من الثورة الحسينية الطاهرة.. والإمام الحسين هو المجدد الأمثل لدين جده ولعل كلمة الرسول صلى الله عليه وآله أشارت الى تلك الحقيقة حين قال: (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا). والمبادئ الحضارية السامية هي المثل العليا لذلك الدين الحنيف الذي جدده الامام الحسين .

  • أيها الأخوة..

إن هناك ثلاث مراحل لابد أن نتدرج عبرها لنسير في ركب أبي عبد الله الحسين .

المرحلة الأولى:

أن يعقد كل واحد منا العزم في ان يعيد صياغة حياته لتكون أقرب إلى نهضة الإمام الحسين ، وليكون حقا من أنصاره.. أوليس الواحد منا حين يقف أمام مراقد الشهداء في كربلاء يخاطبهم بالقول: (وفزتم والله فوزا عظيما فياليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما) بلى انت أيضاً قادر على الاقتداء بأنصار الإمام الحسين لتبلغ درجات القرب من الله سبحانه بإتباع أبي عبد الله الحسين ..
وإنما يكون ذلك بالتوبة من الذنوب وتزكية النفس من رواسب الحمية والأنانية ومن الحقد والحسد ومن الطمع والهلع ومن الكبر والخيلاء ومن الغدر والخيانة ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ويومئذ تدخل في رحاب أنصار الحسين بإذن الله وذلك هو الفوز العظيم.

المرحلة الثانية:

علينا ان نكمل مسيرتنا الصاعدة الى رحاب أنصار الإمام الحسين بالتعاون مع بعضنا البعض على البر والتقوى بأن يكون كل واحد منا عضوا في هيئة إيمانية تهدف إلى إقامة الحق ونصرته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخدمة المجتمع المسلم.
إن الإنتماء إلى الهيئات الدينية والجهاد في سبيل الله بالدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركيزة من ركائز نهضة الأمة التي تتبع نهج الإمام الحسين ، وانه لدليل على تبلور الشخصية الإيمانية في الفرد وتبلور هدى الله في النفوس.

المرحلة الثالثة:

بناء المجتمع المسلم البعيد عن سلطان الشيطان وحكم الطاغوت وثقافة الجبت وقوانين الكفر ونهج الفاسقين والظالمين.
ان الهدف الأسمى لكل مسلم حسيني هو أن يعيش في دولة الحق حيث الحكم لله ولشرائع الدين وحيث الأمر لصالحي العباد.

  • أيها الأخوة..

ان الإمام الحسين كان مثلا لكتاب الله المجيد وقد استمهل أعداءه سواد ليلة عاشوراء لكي يصلي لربه ويقرأ القرآن. والقرآن هو حبل الله المتين الذي طرف منه عند الرب وطرف آخر عند العباد، فإذا اعتصم الناس به، فإنهم سوف يهتدون الى الصراط المستقيم.

واليوم حيث تنهال علينا تيارات ثقافية غربية وحيث تنوعت مصادر المعرفة وفيها ما فيها من وغث سمين، فإننا بحاجة الى ميزان نقيم به ما ينفع من الثقافة عما يضر وليس لدينا إلا القرآن الكريم. وهكذا فعلينا بالمزيد من تلاوة كتاب ربنا والتدبر فيه والاستضاءة بنوره.. وإلا فإننا سوف نتيه في زحمة الأفكار المتناقضة وسوف ينعكس علينا ذلك في تناقض أبعاد حياتنا وتشتت آراءنا وتمزق صفوفنا وخور عزائمنا.
علينا ان نوسع ثقافة القرآن في أوساط أبناءنا منذ الطفولة لكي تنفتح عقولهم به ولكي تنمو مواهبهم عليه.
إن علينا أن ننشر في الأمة المدارس القرآنية المتخصصة بدراسة كتاب الله المجيد وروضات القرآن التي تستقبل البراعم وتغذيهم بالبصائر القرآنية، علينا ان نجعل مناهج القرآن جزءاً من كل المؤسسات التربوية والتعليمية.

إن فهم القرآن الصحيح لن يكون إلا عبر أساتذة صالحين لكي لا يتخذ القرآن وسيلة لنشر الفكر المتشدد الذي يدعو الى الإرهاب وإلغاء الآخرين.
ومن هنا جاء التأكيد من قبل الرسول الأمين صلى الله عليه وآله بأن القرآن لن يفترق عن أهل بيته عليهم السلام حتى يردا عليه الحوض، فقال : (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)..

  • إخوتي:

ان الثقافة القرآنية، هي الخلاص من أزمات البشر الخلقية والحضارية، لأنها ثقافة العقل والعلم وثقافة الضمير والوجدان وثقافة وسطى تجمع بين حقائق الإيمان ومصاديق الواقع فهي ليست متشددة ولا مائعة، وهي ليست غائبة عن العصر ولا هي منقطعة عن تجارب التاريخ فهي أصيلة ومتفتحة ومن هنا فإن علينا ان نعود إليها لنجد فيها ليس فقط حلولا لمشاكلنا وإنما أيضا لنصبح أمة شاهدة على عصرها ونحل مشاكل العالم بإذن الله تعالى.

محمد تقي المدرسي
كربلاء المقدسة

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
عبدالله بن علي
[ القطيف - القطيف ]: 27 / 1 / 2006م - 2:58 م
السلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى من سلك منهج الحسين
2
محمد العرفات
[ القطيف ]: 28 / 1 / 2006م - 11:26 م
ادام الله بركاتك علينا يا حفيد الحسين ومتعنا الله بطول عمرك وعلمك الوفير