محمد و الثورة الفرنسية

 

قبل الثورة الفرنسية وقبل ظهور الثقافة العلمانية على منصة الحكم، كان المجتمع الأوربي والغربي عموما محكوما من قبل المؤسسات الدينية المسيحية المحافظة، حيث كانت تسيطر عليه سيطرة بالغة وتصادر عليه حريته في مجالات شتى.
 
كان الحكم الكنسي يقتر على معنويات المجتمع الأوروبي ويحول دون تطور وتقدم هذا المجتمع. كانت الكنيسة آنذاك تعاني من الفساد بشتى أنواعه، فقد كرس الحكم الكنسي الديني الروح الطبقية في المجتمعات الأوروبية، وكان يشكل إضافة إلى ذلك حجر عثرة على تقدم ورقي هذا المجتمع من الناحية العلمية والحضارية. كانت الكنيسة تحاكم العلماء وتضيق عليهم وتقتلهم مثل العالم الفلكي جاليلو جاليلي الذي عانى الأمرين في ظل ذلك الحكم بسبب رأيه عن كروية الأرض.
 
كان الحكم الكنسي يصادر حرية التعبير عن العلماء وعن الناس ويضطهد الضعفاء. لقد شاع الفساد والظلم والكبت حتى خلط الناس بين ممارسات الحكم الكنسي وعقيدته ونقموا على كليهما معا، فتشكلت في أذهانهم وذاكراتهم نظرة سلبية للدين بناء على رموز هذا الدين، وتبلورت في عقولهم نظرة أن الدين لا يصلح للحكم وتشكلت نظرية فصل الدين عن السياسة. وأخذوا نتيجة للصورة السوداوية التي ترجمتها الكنيسة لهم يزدرون الدين وينظرون إليه بسلبية شديدة، ولا يستثنون أيا من رموزهم الدينية من أصغرها إلى أكبرها من السخرية والتنفيس مشمولا في ذلك حتى السيد المسيح ع نفسُه.
 
وفي أثناء تلك الظروف وإلى جانب الطبقية والظلم والاستعباد السائد في ذلك الزمن انطلقت الثورة الفرنسية بشعارات شتى أولها فصل الدين عن الدولة والسياسة ومحاربة الطبقية وسيادة الأجواء الحرة في التعبير والتفكير بأي وسيلة كانت وحول أية شخصية، ومنع الشعارات الدينية في دوائر الدولة الرسمية، ومصادرة حرمات الأديان بل ونبذها في أغلب الأحيان.
 
لقد تكونت لدى المجتمع الغربي صورة سوداوية عن الدين بسبب حكم رموزه الدينية في حقب من التاريخ، فتكونت عنده ردة فعل لا واعية خلطت بين الدين ورموزه، وحاكمت الدين على أساس من يدعون إليه أو يتبنوه، وهذا خلط وخطأ واضح، فكيف يمكن أن نحاكم دينا ما على أساس من يدعو إليه؟ فنزدري الأديان بسبب ما عانيناه من جلادي دين ما، ونسقط قداسة الأنبياء والرسالات وكل مقدس لدينا على أساس ما حملناه من ردة فعل على تصرفات خاطئة.
 
لقد صادر الغرب قدسية الأديان وخطها الأحمر عن السخرية والاحتقار بسبب ما عاناه، وعلى العكس من ذلك فلم يقم المجتمع الشرقي المسلم باحتقار دينه وقداسته ورموزه بسبب ظروف مشابهة لما عاناها المجتمع الأوروبي، فقد عانى المجتمع المسلم كثيرا من استخدام الدين في الظلم والاستعباد ابتداء من الدولة الأموية إلى يومنا هذا، ولم يزل المجتمع الإسلامي يعاني من القتل باسم الدين، ولكنه ورغم كل ذلك فإنه لم يسقط قداسة أنبياء الله وأولياء الله ودين الله بسبب ما يقوم به أصحاب الدعوة في الإسلام.
 
وهذا بسبب أن المجتمع الإسلامي قد تعرف على نبيه جيدا وتعرف على أولياءه وتعرف على دينه وعلى ربه وهو يعلم جيدا أن لهذا الدين من السماحة والرقي ما لو طُبق لأسعد البشرية كافة، أما المجتمع الأوروبي فقد أسقط قداسة الأديان والتجأ إلى الشرعة البشرية التي لا تستطيع إدارة ما يخفى على الإنسان من أمور يعلمها خالق الكون جل شأنه.
 
وقد يكون استهداف نبينا محمد  بسبب وجود من يشوهون صورة الإسلام من التكفيريين القراصنة المجرمين الذين لا يعرفون إلا لغة القوة. فراح الغرب دون معرفة حقيقية متفحصة عن عظمة ورحمة وسماحة الرسول الأعظم  يرجعون أخطاء وسلبيات بعض الدعاة إلى الإسلام إلى نبي الإسلام، عن طريق رسم النبي في كاريكاتور على هيئة رجل عربي قبيح المنظر ذي لحية طويلة وشعر أجعد وعمامة في قبتها قنبلة. وهذا الكاريكاتور كان مقاربة منهم بأسلوبهم بين النبي العظيم وما مارسه وللأسف بعض القساة من التفجيرات والمجازر والتصرفات اللاإنسانية. وهذا الأسلوب في قياس الدين على ممارسات معتنقيه الخاطئة هو امتداد طبيعي لردة الفعل التي اتخذها نفس هذا المجتمع الغربي تجاه المسيحية والأديان بسبب الحكم الكنسي. ولو فرضنا أن في المسلمين من شوه صورة النبي  بالقتل والتنكيل بحيث يجيز ذلك اتهام النبي، فنقول بأن القتل والتنكيل من هؤلاء التكفيريين لم يطل إلا جماعات المسلمين، فلو كان العيب في النبي فلماذا الضحايا أنفسهم هم من دافعوا ويدافعوا باستبسال عن كرامة وحرمة هذا النبي؟ أليس في هذا عبرة؟
 
إنه لا يصح محاكمة أي دين على أساس بعض رموزه وإلا لحاكمنا الدين المسيحي على أساس هتلر النازي وموسوليني الفاشي وجورج بوش الإرهابي، ولا يصح كذلك محاكمة الدين الإسلامي ونبيه على أساس صدام حسين أو أسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي، يجب الفصل بين الأديان ومعتنقيها، ويجب احترام الأديان وعدم الإساءة لها لأن الإساءة للدين هي إساءة لمعتنقيه مما يؤسس إلى التصادم والنزاعات والحروب بين المجتمعات وهذا إرهاب بحد ذاته.