من محمد إلى الشاب و الشابة


 
إن كل الأنبياء يوم القيامة يقولون"نفسي نفسي" إلا محمد فإنه يقول "أمتي"، فهل من إنسان مثل هذا الإنسان؟
 
و بعد كل ذلك و بعد كل ما بذله في سبيل الإنسانية و بدلا من تكريمه و وضعه على الرؤوس نسيء إليه؟ فهل الإساءة إليه إلا إساءة لأنفسنا؟ و هل يستنقص الكامل إلا الجاهل؟ و لكن لا عتب! فليس لعالم غلبت عليه القساوة و البغضاء و الظلم أن يفهم معنى الإنسان الكامل محمد، ليس من شأن عالم غلبت عليه القيم الحيوانية و الوحشية أن يعي من محمد، ليس من شأن عالم يقتل و يظلم و يبطش في سبيل المال و القدرة أن يفهم أخلاق محمد نبي الرحمة و الإنسانية!
 
و لكن العتب كل العتب على من يعلم من هو محمد و لكنه رغم ذلك لم يغمر قلبه حبه و وده و طاعته. إننا فجعنا عندما سمعنا بالإساءة التي ارتكبها الغرب بحق نبينا العظيم و أخذتنا الحمية حتى قررنا و دون تردد مقاطعة البضائع الدنمركية و النرويجية، و لكننا أنفسنا نحن المقاطعون و المفجوعون لا تلقي قلوبنا لعظيم هدي محمد آذانا صاغية، نحن نسلم على النبي العظيم في كل يوم و في كل صلاة، و نزوره بين الفينة و الأخرى قائلين "بأبي أنت و أمي و نفسي و مالي يا رسول الله"، نحن نحب النبي و نقدسه و لا تتحمل قلوبنا أن تسمع إساءة و لو بكلمة أو نظرة أو حتى إيماءة في حقه، و لكن هل فكرنا فيما قدمنا لأجله؟ هل فكرنا أن نرد جميلا مما ضحاه لأجلنا؟ قدم عمره الشريف ذلك النبي لهدايتنا و سعادتنا و رفعتنا، فهل فكرنا أن نقدم اليسير لأجله؟ قدم النبي كل عمره الشريف خائفا على أمته من الهلاك و الضياع و الزلل حتى إذا أتاه الموت قال لملك الموت: (شدد علي و خفف على أمتي) حتى إذا حلت الآخرة (يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه...) حتى الأنبياء منهم، قال محمد ص (أمتي يا رب)، فلم كل هذا؟ و لم هذا الخوف و هذه التضحية لأجل أمته؟ أليس لكي يكونوا أهلا لذلك؟
 
قد لا يقع العتب على من يجهل محمدا و يسيء إليه بقدر ما يقع على من يعرفه و يسيء إليه. فهل من ظلم نصبه على محمد أشد من أن تعرض عليه كل يوم خميس أعمال تسود الوجه و تجلب الهم له؟ فلو أن أبا يرى أبناءه يخالفون وصاياه بعد وفاته و هو ينظر إليهم فما يكون لسان حاله؟  أيها الناس! أليس من بر نقدمه لنبينا العظيم؟ هل عدمنا الوفاء؟ هل قدم النبي كل ما قدم في سبيل شريعته العظيمة لكي نقصيها و لا نطبقها؟ أليس هذا ظلم أعظم من ظلم الدنمرك؟ أليس الواقع العملي المسيء الذي نقترفه هو أشد من إساءة كاريكاتير؟ أليس من الظلم بعد كل التضحيات و المعاناة و الظلامات التي كابدها النبي و أهل بيته الأطهار في سبيل الإسلام و الشريعة أن ننتقص أي جزء من هذه الشريعة؟ أليس ظلما أن نصف جزءا منها بالرجعية أو بالتخلف أو عدم مماشاة العصر أو عدم الأهلية؟ أليس ظلما أن نحتقر شريعة محمد بتصرفاتنا و أقوالنا و بواطننا السوداء المشينة؟ فجدير بنا ألا نقاطع الدنمرك إن كنا نقاطع نبينا و شريعته من حيث لا نشعر! من منا أيها السادة قدوته محمد؟ من منا أيها السادة قدوته علي؟ من منا أيتها الأخوات قدوتها فاطمة؟ من منا قدوته الحسين؟
 
أليس ظلما أن نقدم ما جاءت به الدنمرك و أخواتها الغربيون على ما جاء به محمد؟ أليس ظلما أن نقلد الغرب في سلوكياتنا و أعمالنا و لا نقلد الرسول الأعظم محمد؟ فبأي وجوه العقوق نواجه محمد؟ و بأي المسوغات ندعي وصلنا بمحمد؟ يا معشر الشباب! من منكم مصعب بن عمير؟ من منكم عمار بن ياسر؟ هؤلاء بروا النبي فلقبوا بالبررة! فهل بررنا النبي؟ ألم يقل النبي (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فأين مكارم الأخلاق فينا؟ و لو أن أستاذا تعب و جهد على طلابه ليكونوا عظماء و اكتشف بعد ذلك أنهم لم يكونوا كذلك لتحسر و تألم و لقال ألف آه على طلابه! أولسنا نحن طلاب محمد، فهل أقررنا عين أبينا و أستاذنا؟
 
إن النبي الأكرم ينتظر منا أن نكون مصعب بن عمير و عمار بن ياسر و أبا ذر الغفاري، لا أن نقتدي برموز الغرب الشياطين، فما هو شعور نبينا الحبيب لو رآنا على هذه الهيئة؟ ما هو شعوره لو وضعنا الأخلاق التي بذل عمره الشريف لأجلها جانبا؟ ما هو شعوره لو رآنا عملا أو قولا نزيح هديه عن منصة التطبيق و العمل؟ و هل قولنا له عندئذ (بأبي أنت و أمي و نفسي و مالي و ولدي) إلا محض كذب و نفاق؟ ألا يعلم نبي الله حقيقة ادعائنا؟ فهل الكذب على من يعرف الحقيقة إلا محض استخفاف؟
 
لنسأل أنفسنا بصدق؛ هل نقدر أن نقدم أنفسنا و دماءنا و أموالنا و آباءنا و أمهاتنا و أبناءنا قرابين للنبي؟ فلو كنا كذلك لكنا قدمنا اليسير و هو الانتهاج بنهجه. إذن علينا ألا نسيء إلى حضرته بعمل سيء يقتدي لا به و إنما برموز الغرب الفاسدين، علينا أن نحذر من كل سلوكياتنا و تصرفاتنا! علينا أن نراقب أعمالنا نحن الصغار و الكبار الذين ندعي حب محمد ص، (كونوا زينا لنا و لا تكونوا شينا علينا)، ليست الدنمرك وحدها من يسيء إلى الرسول الأعظم و لكنا نحن أول المسيئين و خصوصا أننا أعلم منهم بمحمد و من يكون!