السلام الفكري للإنسان وآفاقه

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد وهو يركز على البحث في قضايا الانسان ومحوره الداخلي ﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون  تواجدنا الإنساني مليء بالمتغيرات بعضها يحمل في جوانبه التغيير وبعضها لايتوافق مع أي معطي في هذه الناحية من هنا نرى ان الإنسان يقع ضمن دائرة التغير والتغيير وضمن موافقات ردة فعل طبيعية له كانسان بمختلف مستوياته النفسية والإدراكية ان أعطيناه دورآ كبيرآ لهذا وهو التغير والتغيير بدونه لايتم ولا نحظى بقبول هذا النهج في حياتنا إن تعاطينا مع كون الحياة زخم كبير من اللائم بيننا وبين ما نتماثل معه ونحظى باهتمامه كطبيعة وكنهج توافقي في الرؤى والمسار العقلي في التفكير والحقيقة العالية للإنسان نفسه ومع ما ينبض به وجدانه من معاني ومسارات فاعلية وكأنه يرى أن نبضاته هي خط توحي له بالكثير بالمبررات:

دقات قلب المرء قائلة له      إن الحياة دقائـق وثوانـي

ولو أخذنا المستويات الفكرية الإنسانية المختلفة لوجدنا أنها تشبه إلى حد بعيد تموجات البحر فالبحر متموج مضطرب على السطح ولكن حين تغوص في الأعماق تجده ساكن وهادئ وكذلك الفكر الإنساني قد يكون هائجا على السطح بالتعبير والمحيا وأسلوب الكلام ولكننا نجد هناك هدوء وسكون عميق جدآ فهما متماثلان وان اختلفت الرؤى منا إليهما ، فالبحر وبما في أعماقه من اللؤلؤ والمرجان والكنوز التي لاتعد ولا تحصى وكذلك محيطنا المادي الذي يعطينا كونآ وعالما فإننا نتحد به ومع عالمنا المادي بجزئياته من ذرات والكترونات.. فعالم الفكر الإنساني هنا جزء من هذا التكوين الذي يتألف بالتالي من طبقات سطحية واقل منه طبقات واقل منه طبقات وهكذا!! إلى أن تصل إلى حالة من الهدوء والسكينة والاطمئنان الفكري لبشكل لك توازن في التفكير والسلوك الذي تتطبع بها شخصيتك بوضوح بعقلانية الرأي والصورة والأسلوب الفكري الواضح بدون تناقض في مسار نهجك العقلاني..

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها      فالذكـر للإنـسـان عُـمـر ثـانـي

لذا نجد أن أكثر الناس تطفو أو تسبح على مستواهم السطحي أفكار بعيدة الصلة عن واقعهم وإدراكهم العقلاني ممايؤدي بالتالي إلى عدم الاطمئنان والسكون والسلام ولايدرك الفرد حينها عدم الامان في نفسه الا من خلال الممارسة لاحتياجه في الراحة والقوة والطاقة وتنفيذ مستوى الذكاء عنده باي مقياس في مستوى الفكر والإبداع ولكي يستطيع الوصول الى هذه الناحية بايجابية لابد ان يطبق تقنية «التأمل» صباحآ ومساء بتقنية وأسلوب واضح والإنسان من البديهي انه يحتاجها ويمارسها ولكنه لايطبقها بشكل واعي وإدراك واضح في حياته بدليل الاسترخاء بين تعب وآخر....

وكما أن طبيعة النار أنها تعطيك حرارة ودفء في حياتك خصوصآ في أوقات البرد القارص كذلك الحالة الساكنة والطبيعة الهادئة للفكر تعطيك ايضآ الغبطة والسعادة والسكون العميق مما تدفعك للإنتاج الغزير لما تمليه عليك هذه السكينة في حياتك. لذا فإننا إذا حرقنا قطعة من الخشب نحصل على حرارة معينة كذلك فإن الذكاء والسعادة والقوة الفكرية للإنسان يزداد كلما تجاوزنا المستويات السطحية للفكر وتعمقنا أكثر في أعماق الفكر مما ينتج عنه نتاج فكري حضاري راقي يترجم لنا واقع الزمن الماضي أو الحاضر لحياة البشر ومتغيراتهم الاجتماعية آو العقلية أو الاقتصادية أو السياسية كل هذا نتاج القوة الفكرية للإنسان.

إن العيش للإنسان في حالة السطحية عنده يعني العيش في حالة من المعاناة والمشاكل والاضطراب والعجز والمرض حيث يصبح الإنسان كالورقة الذابلة يعتز شمالا ويسارا اوكانه في خريف عمره مالت غصونه الى الفناء بينما نجد سكونه العميق لفكره وعقله هذا بمثابة اتصال الورقة بالجذور العميقة للحصول على الثبات والقوة والتغذية!!

  •  منابع السعادة الفكرية

الفكر السعيد الراقي ينتج الصحة والقيمة العالية لوجودنا الداخلي والخارجي مع محيطنا.. لذا نجد ان كل ذات إنسانية هي عطشى للسعادة بأي مستوى كان مفهوم السعادة ، لا أحد لايرنو ولايتوق إلى السعادة بغض النظر عن مفهومك لها وتعريفك لمعطياتها فنحن لاستطيع إشباع ذواتنا وعطشنا هذا بأمر محدود ضمن الزمان والمكان وإنما من سعادة لامحدودة نجدها في الأفق العميق الساكن لفكرنا حيث السعادة الحسية الملموسة كالإحساس بالمناظر الخلابة وتذوق الطعام الشهي...الخ وفي الأعمق الدفيء تجد سعادة القلب كالحب والحنان والرفق والرحمة والود وهناك الأعمق ايضآ نجد فيها اللاحدود من الفكر...

فالسعادة موجودة في الأفق العميق الساكن لفكرنا والتي قلنا سابقا أننا نختبرها من خلال التأمل الذي يعمل على تهدئة الحركة الفكرية عندنا سواءآ السلبية او غيرها من الرفض للكثير من الأفكار التي قد لايقتنع بها الفكر لأنها يجدها متناقضة مع سكونه الفكري العميق ولو تجاوز هذا العمق قد يجد الرفض وقد يجد الموافقة في هذه الناحية لأي أمر... إن الذي لايعرف طعم العنب او البرتقال مثلا لايجد في جلبه له منفعة أو قد لايعمل من اجل الحصول عليه اما لاكله او لشربه كذلك فإن هذه الحياة الدنيا تبدوا على السطح مليئة بالمرارة والمعاناة والألم ولكن هناك في العمق بحر لامحدود من السعادة والسرور والطاقة والقوة ولو اردت ان تتحقق من ذلك لابد عليك ان تتأمل حياتك وتفعل عملية التأمل مع ذاتك وعقلك وهذا التأمل هو كنه المعرفة الحقيقية للمفردات العقلية لما يفكر الانسان وكيف يتصرف في كثير من الامور الفكريه التي تحتاج توقف في رؤية معينه في الحياة لذا نجد ان اكثرنا يضيق افقه في تعامله مع قضايا ومواقف حياته يجدها بداية سهلة في التعاطي معها والتفاعل بها والانقياد لها لكنه ومع الاندماج معها نجد ان فكره ورؤيته لم تتوافق مع آرائه من بديهيات حياته ومسيرته وببساطه نجد ان آراءه وان اتحدت مع قضية لفكر آخر بان افكاره لم تتجاوز ان تكون فكره فقط..

الحالة الفكرية وتأثيرها على اجسامنا من المتعارف انه توجد علاقة بين الفكر والجسد فالحالة الفكرية لها تاثير مباشر وواضح على حالة الجسم وحالة الجسم لها تاثير كبير على الحالة الفكرية فالفكر المضطرب له تأثير كبير على الدماغ والجهاز العصبي ففكرة الخوف تزيد من خفقان القلب وتزيد نسبة الأدرينالين في الدم والفكر القوي الثابت يعكس جسم متزن قوي البنية وحينما يصل الفكر إلى حالة عمق وسكينه وراحة فانه يعكس راحة جسمية عميقه تعمل على إزالة التوتر والضغوط المتراكمة عبر السنين.