سيرٌ إلى الله في طريق العلم .. العلم نور وحجاب

قال تعالى في محكم كتابة:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) .مما لا شك فيه و لا ريب أنَّ الإيمان والعلم مراتب و درجات, لأنَّ الإيمان والعلم كمال و الكمالُ غيرُ متناهٍ، فكلٌ حسب سيره في مدارج الإيمان والعلم, فكلم ارتفع إيمان المرء أو علمه في (عالم الملك) عالم المادة درجة أقترب من الله سبحانه وتعالى عزه في (عالم الملكوت) عالم المعنى درجات.

 ولهذا المعنى أشار الله سبحانه وتعالى عزه في الآية الكريمة أنَّهُ يرفع المؤمنين والذين يتعلمون العلم درجات ولم يقل سبحانه وتعالى عزه درجة بل قال درجات,أي غيرُ متناهيات.

  • أهمية العلم:

للعلم أهمية خاصة عند الله والأنبياء و الرسل وعند السالكين إلى الله, لأن العلم له مدخلية كبرى في قضية السير والسلوك إلى الله.
 يقول صلى الله عليه وآله  :( إذا أتى عليَّ يومٌ لا أزدادُ فيهِ علماً يقربني إلى الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) .
وقد أولى الله للعلم وللمتعلمين أهمية كبرى وهذا ما نجده في كثير من الآيات والروايات ومن جملتها لا على سبيل الحصر, قال تعالى مبيناً الذين يصلون إلى مرتبة الخشية:( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)  "إنَّما"حصر يفيد التخصيص،أي لن يصل إلى هذه المرتبة العظيمة إلا العلماء و قال سبحانه أيضاً: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)  استفهام تقريري من الله سبحانه وتعالى عزه، أنَّ الذين يعلمون أفضل و أحسن عندهُ من الذين لا يعلمون.
ومن الروايات التي تحث على التمسك أو المواظبة على حضور حلقات العلم.
ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي ذر،( يا أبا ذر :
الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أفضل من صلاة ألف ركعة, الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أفضل من ألف غزوة وقراءة القرآن كله.
قال أبو ذر مستغرباً: أفضل من قراءة القرآن كله!!.
قال صلى الله عليه وآله يا أبا ذر:
الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى الله من أثني عشر مرة من قراءة القرآن كله) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام:
(إن الله يقول لملائكته عند انصراف أهل مجالس الذكر والعلم إلى منازلهم,أكتبوا ثواب ما شاهدتموه من أعمالهم, فيكتبون لكل واحد ثواب عمله ويتركون بعض من حضر معهم فلا يكتبونه, فيقول الله عز وجل مالكم لا تكتبون فلاناً أليس كان معهم وقد شهدهم, فيقولون يا رب إنَّهُ لم يشرك معهم بحرف ولا تكلم معهم بكلمة, فيقول الجليل جل جلاله أليس كان جليسهم, فيقولون بل يا رب, فيقول أكتبوه معهم أنهم قومٌ لا يشقى بهم جليسهم، فيكتبونه معهم, فيقول الله تعالى أكتبوا له ثواب مثل ثواب أحدهم) .
فلو نظرنا نظرة مقارنة بين من ضيع وقته باللعب واللهو ومشاهدة التلفاز وغير ذلك في غير النافع, ومن استثمر وقته بالعلم النافع, هل يستويان عملا؟؟
ماذا حصّل من يلعب ويلهو ويسرح ويمرح طوال وقته؟ لا شيء يذكر،وإن ارتاح وتلذذ باللعب واللهو إلاّ أن هذا الارتياح وهذه اللذة مؤقتة ومنتهية, أمّا من تجشم العناء وحضر حلقات العلم أو قرأ كتاب وتعلم أموراً لم يكن يعلمها وازداد علماً وقرباً من الله سبحانه وتعالى عزه، ماذا سوف يشعر في النهاية؟ قطعاً سوف يشعر بلذة الفائدة ولذة التقرب من الله، هذه هي اللذة الحقيقية التي لا نهاية لها و لا اضمحلال والتي لا توازيها أيُ لذةٍ في هذه الدنيا.
فسعى دائماً وأبداً أن تزداد في كل يوم علماً ولو مسائلة فقهية واحدة, إنه سيرٌ في مدارج الكمال والابتعاد عن مهاوي النقص.

  • العلم نور وحجاب:

قد بين الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله في الرواية التي ذكرناها آنفاً،انَّه كلما ازداد علماً،ازداد قرباً من الله سبحانه وتعالى إنه السير إلى الله في طريق العلم،فكل ما ندرسه من علوم أمّا أن يوصلنا إلى الله، وهذه غاية منى الكادحين المخلصين,(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ),الانشقاق6، وأمّا أن يحجبنا و يبعدنا عن الله سبحانه و تعالى عزه، وهذا شقاء ليس يدانيه شقاء،عندما يكون كل ما نتعلمه و نتعب من أجل تحصيله حجاب بيننا وبين الله، وهذا كله بحسب الدافع، فهناك من يكون دافعه من دراسته في الحوزة أو في المسجد أو في الجامعة أو في أيِّ مكانٍ آخر دافعاً ألهياً، ليخرج نفسه من الظلمات إلى النور, وذلك عندما يعمل على تهذيب نفسه و تزكيتها من الرذائل (وإذا لم يتخلص من الرذائل و الخبائث فإن دراسته مهما طالت سوف تضره لأن العلم حين يكون في أرضية غير نظيفة فسوف ينبت نبتاً خبيثاً،وكلما ازداد علمُ إنسانٍ يحملُ قلباً أسوداً و نفساً غير مهذبة، فإن حجب الظلام في نفسه تزداد و تتكثف،لأنَّ العلمَ في نفسٍ كهذه يصبح حجاباً مظلماً,وكما قيل:( العلم هو الحجاب الأكبر ) و عليه فإن شر العالم الفاسد أخطر من كل الشرور و أكثر.
صحيح العلم نور،ولكن في الأوعية النظيفة و القلوب النظيفة أمّا الأوعية النتنة والقلوب المظلمة فليس الأمر فيها كذلك، إنَّ العلم الذي يطلبه صاحبه للجاه و الظهور لا يزيده إلا بعداً من الله سبحانه وتعالى عزه ,وعلوم التوحيد [العقائد] أيضاً إذا لم تكن لله و في سبيله فإنها تتحول إلى حجب ظلام، إذا درس أحدكم و تعب ،فبالإمكان أن يصبح عالماً، ولكن ينبغي أن تعلموا أنَّه يُوجدُ فرقٌ كبيرٌ بين العالمِ و المهذب) .

يقول السيد روح الله الخميني رضوان الله عليه كان أستاذنا رحمه الله يقول : يقولون من السهل أن تصبح عالماً, ولكن من الصعب أن تصبح إنساناً, ولكن هذا خطأ ينبغي أن يقال: من الصعب أن تصبح عالماً, ومن المستحيل أن تصبح إنساناً...

ما أكثر الأشخاص الذين كانوا يتقنون هذه المواد التي تدرسونها أحسن منكم ولكنهم لأنهم لم يكونوا قد هذبوا أنفسهم وأصلحوها لمجرد نزولهم إلى ميدان العمل الاجتماعي كانوا أدوات إفساد وإضلال ,إنَّ هذه المصطلحات الجافة إذا زرعت في الذهن بدون تقوى وتهذيب للنفس فإنها تزيد من التكبر والغرور, وعالم السوء الذي سيطر عليه الغرور والتكبر سوف لن يستطيع إصلاح نفسه ولا إصلاح المجتمع ولن ينتج إلا الضرر للإسلام والمسلمين وبعد أن يقضي السنوات في طلب العلم وإنفاق الحقوق الشرعية سوف يصبح سداً في طريق تقدم المسلمين ووسيلة إغواء لهم...).2

العلم نور وكمال والجهل ظلام ونقص، من منا يحب لنفسه النقص, كلنا نتوق إلى الكمال في كل شيء، فلو وصفك أحدهم بأنك جاهلٌ ولست مثقفاً, سوف تتضايق من هذا الوصف, لأنَّهُ نقصٌ, والإنسان لا يحب لنفسه النقص،على عكس من يصفك بأنك عالمٌ أو مثقفٌ سوف تُسر من ذلك لأنه كمال و الإنسان بطبعه يحب لنفسه الكمال.
اسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد في السير والسلوك في مدارج الكمال للعلم و الإيمان والعمل الصالح.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

                                                                           


 

-القرآن الكريم،المجادلة/11
- الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء،ص12
- القرآن الكريم،سورة فاطر/28
- القرآن الكريم،سورة الزمر/9
- الإمام الخميني،جهاد النفس،ص16.
- الإمام الخميني, الجهاد الأكبر / ص16.