الأحكام.. نموذج تلفزيوني تصاعدي

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
تتأثر مستوى نجاح البرامج التلفزيونية وهبوطها بعوامل عدة منها :  أداء معديها ومقدميها والمنحنى التفاعلي بينها وبين الشريحة المخاطبة والمشاهدة لها ، و تعتمد أيضاً على نوعية ووسيلة الاتصال التي يستخدمها معد البرنامج للتواصل مع مشاهديه ،  خاصة تلك البرامج التي تتحدث عن قضايا حياتية مهمة تخاطب شرائح المجتمع  بجميع أطيافه وشرائحه.

 وكانت قناة الأنوار الفضائية من أولى القنوات الواعدة التي تبنت هذه الإستراتيجية -بالرغم من قلة الكوادر والإمكانيات ، فتنوعت برامجها الدينية والثقافية التي تعد هنا وهناك بشكل ملحوظ  ،  بالمقابل وجدنا  أنفسنا في أغلب الأحيان  نبحث عن الكم لا عن الكيف ، فالكثرة مطلوبة في مواضع ومذمومة في مواضع أخرى .

 وأدى هبوط المستوى الأدائي لبعض البرامج المعروضة إلى حدوث ارتداد عكسي نتج عنه حالة من الفتور والركود في علاقة البرامج الدينية مع مشاهديها ومتابعيها ، فكان من المفترض علينا في مثل هذه الحالة أن نبحث عن الكيف لا الكم تحت عنوان التقدم والتميز. 

وقد برهنت نظرية الاتساق والتنافر – وهي إحدى النظريات المتعلقة بطبيعة الجمهور – على إن موقف الإنسان يميل إلى اتساق سلوكه مع ما يتلقاه من رسائل أي كان نوعها ، و من ثم سيحاول في المستقبل تجنب تلك الرسائل .

 وهذه النظرية تطبق على الرسائل الواردة للجمهور ( المشاهدين ) عن طريق البرامج التلفزيونية بشتى أنواعها فيعتمد مدى قابليتها عندهم على :  طريقة إعداد وأسلوب مقدم البرنامج و وسيلة الاتصال في مخاطبة المشاهدين .

 ولذلك يُحدد مستوى قابلية المشاهدين لهذه البرامج تبعاً لتلك العوامل – التي ذكرناها ، وهذا ماجعل البعض يحرص على متابعة برامج معينة دون غيرها ، كتلك البرامج التي  تمس حياته اليومية وتتطرق لقضايا معاصرة  وتخاطب الشريحة الكبرى من المجتمع . 

ومن البرامج التي نأخذها كنموذج  برنامج  الأحكام  الذي تبثه قناة الأنوار الفضائية و يعده ويقدمه سماحة الشيخ غازي الشبيب وفقه الله لكل خير  ، وهو نموذج من تلك البرامج التلفزيونية التصاعدية -أن صح التعبير ، الذي بدأ بشكل بسيط سرعان ما أخذ منحى تصاعدي تقدمي استقطب معه كثير من المتابعين والمشاهدين من دول عديدة لاسيما بمنطقتنا  نتيجة للإعداد والتقديم الجيد والحرص على تلافي الأخطاء من محطة إلى أخرى  ، ولعلي أشير في هذه العجالة إلى بعض العوامل التي ساعدت في استقطاب المشاهدين لهذا البرنامج و منها :

1-الإعداد الجيد والواضح الذي يقوم به معد البرنامج في اختيار الموضوع وجمع المعلومة ونقل المسالة الشرعية من موردها العام والخاص وتقديمها للمشاهد الكريم عبر كتابة جيدة ومتقنة تسبق عرض وتسجيل البرنامج مما سهل على مقدمها عرضها بشكل متقن ومتسلسل . 

2- البرنامج يحاكي الواقع المعاش للحياة اليومية لشرائح المجتمع ، وهو ما ساعد  على استقطاب  أكبر عدد من المشاهدين ، لأن الدلائل العلمية تشير إلى أن جمهور المتلقين يميلون إلى الرسائل التي تبحث في قضاياهم أكثر من ميلهم إلى الرسائل التي تبتعد عن قضاياهم   .

3-المميزات التي يتمتع بها مقدم البرنامج ومنها: الإلمام بالمخارج الشرعية والمستوى الخطابي الجيد وغيرها من العوامل الذاتية المكتسبة التي ساعدته في تقديم  مثل هذا البرنامج التلفزيوني  .  

4-  قدرة معد البرنامج على التعبير عن أفكاره بلغة بسيطة وكلام سلس  ساعد في إيصال المعلومة لأذهان مشاهديه بشكل سهل ،  وهو مصداق لقول النبي محمد ( ص ): إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم   .

ولاننسى أيضاً مجهود الكادر الفني من فنيين ومصورين ومنتجين الذين حرصوا على المونتاج المناسب  لكي يظهر بشكل مناسب.  ولعل  البعض يقول أنني أشدت  برنامج الأحكام دون غيره -فإثبات الشيء لاينفي ما عداه . 

أتمنى أن يأخذ هذا البرنامج وغيره من البرامج صيتاً صاعداً من خلال تجديد المحاور والأفكار وتبني مواضيع  تلامس اهتمامات  المجتمع بأجمعه .

 ولعل من الأولويات المهمة التي أشدد عليها في هذا المقام هو دعوة المجتمع للتفاعل الإيجابي مع هذا البرنامج وغيره من البرامج عبر التواصل المستمر برسائل الكترونية تُسجل فيها ملحوظاتهم وطلباتهم التي يرون ضرورتها وأهميتها بالنسبة لهم  .

وهذا مايساعد على إحداث تنوع فكري في مادة البرنامج  ، ويخلق تفاعل إيجابي بين الملقي والمتلقي ، ويشجع بالمقابل معد البرنامج على بذل المجهود الأكثر لإيصال المعلومة المهمة لمشاهديه  ،  و يساعده ذلك  في إعداد حلقات خاصة متنوعة تعد وفق مايراه المشاهد من أهمية ، يطرح  فيها أفكاراً هي في الأصل من وحي وتوجه المشاهد ، ولعلها أفضل السبل في جذب الاتصال الفعال بين عنصري الملقي والمتلقي ( المعد والمشاهد )  ، ويمكن تطبيق هذه الأولويات على معظم البرامج التلفزيونية الجديدة لكي ترقى للمستوى المطلوب والمأمول .

إن من أولياتنا أن نتعلم ونقرأ ونكتب في كل مجال وحقل سواء كان مجالاً دينياً أو ثقافياً أو علمياً  ، كذلك على   الإنسان تخصيص دقائق من يومه لمشاهدة هذا البرنامج وأمثاله من البرامج النافعة ، كي  يضف  إلى فكره وعلمه معلومة جديدة من هنا وهناك تكون حصيلة متكاملة تفيده في حياته وتزيد من ثقافته  ، ولذلك يقول الصادق : تفقّهوا في دين الله ولا تكونوا أعرابا ، فإنه مَن  لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، ولم يزك له عملاً .  

إن جهاد الكلمة نطق وقول لا تقل شأناً من  جهاد  جسمي ، لأن الكلمة تهدي بها البشر وتنير بها طريقهم قال تعالى  ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء  

وهنا لابد الإشارة إلى أن بمجتمعاتنا كفاءات وكوادر على كل الأصعدة وفي جميع المجالات لا تحتاج إلا لتشجيعها وتحفيزها  كي تنتج وتنجح وتنفع بعلمها وثقافتها مجتمعاتنا  ، لكننا - وللأسف الشديد سعينا لإقصائها وتهميشها  وتعاملنا معها بسياسة التهبيط لا التحفيز ، بالمقابل نجد مجتمعات أخرى تأخذ بأيدي كوادرها وكفاءاتها تنمي فيهم ميولهم وقدراتهم كي يكونوا واجهة براقة تدل عليهم في كل محفل من المحافل  .  

ومن هنا أشد على يد شيخنا العزيز بمواصلة برنامجه الشيق والحرص على إعداده بصورة تعكس ثقافته وعلمه الَنيّر  ، وأن يأخذ بكل فكرة وملحوظة ترد إليه كي يرتق  ببرنامجه ويفيد به مجتمعه ومذهبه . 

أتمنى أن يتطور هذا البرنامج وكل البرامج التي تعرضها قناة الأنوار ومثيلاتها من القنوات الناشئة عبر فكرة هنا وبرنامج هناك ، كي نثري فكرنا ونكسب معها علماً ومعرفةً ونعكس صورةً راقية ً عن ثقافتنا الحقيقية .   

 

1) كتاب الكافي ، 85 .
3) المصدر كتاب المحاسن . ص 214 .
3) سورة إبراهيم الآية 24.