ارامكو تاريخ حافل يخشى عليه من التشويه

علي آل غراش *

 تكررت في السنوات الأخيرة وقوع الحوادث المأسوية والقاتلة في شركة ارامكو السعودية، اخرها الحادث المؤلم الذي وقع في الساعات الأولى من يوم الأحد وراح ضحيته عدد من القتلى والجرحى بعدما سبقه عدد من الحوادث المماثلة.. بالاضافة الى وجود ملاحظات على اداء الشركة في الفترة الاخيرة.

الحوادث ربما تقع في أي مكان ولكن وقوعها في شركة ارامكو الشهيرة بالخصوص وفي فترة زمنية متقاربة تطرح أكثر من علامة استفهام لان شركة ارامكو كانت قبل فترة من الزمن نموذج يحتذى به على مستوى العالم في السلامة وفي عدد ساعات العمل بدون إصابة عمل.
 
ارامكو شركة عملاقة عمرها الزمني أكثر من 75 عاما بدايتها كانت في عام 1933 م عندما وقعت الحكومة السعودية اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط على الساحل الشرقي مع شركة "ستاندرد أويل كومباني أف كاليفورنيا" (سوكال) حيث قام وزير المالية السعودي آنذاك الشيخ عبد الله السليمان، نيابة عن حكومة السعودية، والمحامي والخبير بالأراضي السيد لويد هاملتن، نيابة عن "ستاندرد أويل كومباني أف كاليفورنيا" بتوقيع الاتفاقية في جدة، ومن تلك اللحظة انطلقت قصة شركة رائدة في عالم الطاقة، وبفضل تميز ارامكو وتحقيق النجاحات المتلاحقة حصلت الشركة خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة على احترام وتقدير العالم كما استطاعت ان تكون رافد مهم للتطور والتقدم في المنطقة فليس هناك من ينكر دور شركة ارامكو على المنطقة واهلها اذ لا تخلو عائلة من ابناء يعملون بالشركة العملاقة.

في عام 1980 م امتلكت الحكومة السعودية شركة ارامكو بالكامل من خلال شراء معظم الاصول للشركة لتبدأ مرحلة جديدة لشركة ارامكو السعودية.

لماذا تكررت الحوادث عندما أصبحت إدارتها سعودية؟
لماذا حولت شركة ارامكو معظم اعمالها الى مقاولين؟
هل حقا ان ارامكو كانت افضل إداريا وفنيا وتقنيا عندما كانت الإدارة أجنبية؟
هل هذه الحوادث المأسوية بسبب التخلي عن الأيدي السعودية الخبيرة العملية المدربة، والتخلي عن تدريب الكوادر السعودية في مدارس ومعاهد الشركة المعروفة، والاعتماد على عمال المقاولين أصحاب الرواتب الأقل والذين يفتقدون للخبرة؟

  • مدرسة نموذجية

قبل سنوات قليلة كان معظم الذين يقومون بالأعمال الشاقة والصعبة في شركة أرامكو من السعوديين الذين يتغاضون رواتب عالية تناسب الجهد الكبير... بل ان المزارعين وعمال الصيانة من الميكانيكيين والسباكين والكهربائيين والدهانين، وكذلك السائقين وعمال السوبر ماركت (الكانتين) والمطاعم والطباخين وموظفي السينما والمكتبات والأندية... سعوديون أبناء الوطن، وكانت تلك الأعمال تنجز بأفضل صورة وبأعلى المستويات، فالموظف والعامل السعودي يقوم بعمله بإتقان وحب مهما صغر او كبر حجمه لانه يتغاضى راتب ممتاز..، وكانت ارامكو حريصة على توظيف المواطنين السعوديين، وتعليمهم وتدريبهم في مدارسها ومعاملها ومعاهدها الخاصة.

وبفضل تلك المدارس يتخرج الموظف وهو يتقن اللغة الانجليزية ويتقن عمله ويتمتع بروح الانضباط ومع الأيام تحولت ارامكو إلى ثقافة خاصة... بان ارامكو نموذجية وكل ما في ارامكو ويستخدم من قبل ارامكو هو الأفضل.

  • اجتهادات إدارية

لم تشهد شركة ارامكو حوادث مثل التي وقعت مؤخرا وتراجع سمعة الشركة من ناحية الانضباط والتميز الا بعدما اجتهد بعض اداريي الشركة بالتفكير في تخفيض مصاريف الشركة عبر الاستغناء عن العنصر السعودي الماهر والخبير والمدرب - الذي كلف الشركة مبالغ كبيرة، وقدم للشركة ما يملكه من خبرة وطاقة وجهد – وتحويل معظم الاعمال الرديفة منها الصيانة والزراعة والحفر واخيرا السلامة الى المقاولين.... وقد قامت الشركة بأساليب عديدة منها اغراء الموظفين والعمال السعوديين للتقاعد المبكر، وتقديم المبالغ المادية العالية مما ادى الى تفضيل عدد من الموظفين والعمال القادرين على العطاء لنظام التقاعد المبكر المغري ماديا....وهذا ادى الى خسارة الشركة الى كوادر خبيرة مؤهلة، وحرمان السعوديين من العمل بالمطاعم والمطابخ والسوبر ماركت ونشر ثقافة جديدة.

  • أنانية المقاول

المشكلة ان المقاول الذي استلم عدد من المناقصات التابعة لشركة ارامكو لا يهمه الا الربح عبر توظيف سعوديين او غيرهم برواتب متدنية لا تتناسب مع الرواتب التي يحصل عليها موظف شركة ارامكو وعدم وجود التدريب والتاهيل المناسب كالذي يحصل عليه موظف الشركة... مما ساهم في تراجع الخدمة وعدم قبول السعوديين بتلك الوظائف مؤديا الى الاعتماد على الايدي الاجنبية وهذا ما يعني التخلي عن السعودة (توطين الوظائف) في زمن تحاول الحكومة عبر وزارة العمل على التشديد على توطين الوظائف لدى القطاع الخاص!!

المراقبون يرون ان الشركة ربما استطاعت في الفترة الاخيرة من تقليص مصروفاتها عبر التخلي عن الاف الموظفين السعوديين، ولكنها خسرت أهم عنصر في العمل وهو الموظف الخبير الماهر المجتهد في جميع وظائف الشركة.

  • تسرب الموظفين

عندما كانت الرواتب عالية، والتدريب والتأهيل ممتاز وصارم كانت الشركة ناجحة!
لا يخفى على المراقبين والمتابعين لأعمال شركة ارامكو السعودية بان هناك حالة تسرب لبعض موظفي الشركة الطموحين الذين تدربوا في مدرسة ارامكو النموذجية، وذلك بسبب عدم تقدير الموظف والعامل حسب جهده وعطائه وإخلاصه حيث يبقى المدرب الخبير المخلص على منصبه المتواضع فيما يرتقى للمناصب العالية المتدرب الجديد او غير المؤهل لمناصب عالية بحيث يصبح مديرا على من هو أفضل منه... وذلك لانه محسوب على طرف مسؤول بالشركة.

وقد استغلت الشركات التي تعمل بالطاقة، والتي هي بأمس الحاجة لمهندسين خبراء بمواصفات ارامكو ضالتها لدى موظفي ارامكو المتقاعدين وبالذات المهندسيين عبر تقديم العروض واستقطاب هذه العقول الخبيرة والمدربة.... مستفيدة من تذمر هولاء من النظام الاداري الجديد، ومن الامور التي تشجع هولاء على الانتقال إلى هذه الشركات تساهل ادارة ارامكو في عملية التقاعد.

  • ارامكو تتخلى

ارامكو كانت مفرخة تولد النماذج الوطنية الايجابية فشركة سكيكو ومؤوسسة سكة الحديد ومؤسسات اخرى كبرى في المملكة خرجت من احضان ارامكو، ومعظم المتميزين من رجال اعمال ومهندسين ومقاولين كبار ومن أصحاب المنشات الشهيرة استفادوا من مدرسة شركة ارامكو، ولكن بعدما تحولت ارامكو الى الادارة السعودية تراجعت عن دورها في دعم السعودة "توطين الوظائف" عبر الاعتماد على المقاولين، وتراجعت في المجال الاجتماعي والخدماتي والعلمي... فقد تخلت ارامكو عن بناء المدن السكنية النموذجية التي تحمل مواصفات ارامكو، وبناء المدارس المتكاملة، وبناء المستشفيات المتطورة! بل انها قامت بتحويل معظم الموظفين وعوائلهم إلى المستشفيات الخاصة... كما انها اغلقت اول محطة تلفزيونية بالخليج محطة الظهران.

  • ارامكو والطفرة

تجتهد ارامكو يوميا في فتح المزيد من ابار النفط وزيادة الانتاج، عبر ابرام الاتفاقيات مع الشركات الكبرى في العالم ومع كبار المقاولين المحليين، ولكن البعض يرى ان هذه الشركات تفتقد لمعايير السلامة المطلوبة التي تطبقها الشركة وللأيدي الخبيرة كالتي كانت لدى شركة ارامكو من المواطنين السعوديين.

  • أخيرا

ارامكو اسم شركة لها مكانة لدى السعوديين جميعا وبالخصوص ابناء المنطقة الشرقية كيف لا ويعود لها الفضل في انشاء الطرق والمطارات والموانئ وسكك الحديد وتحريك عجلة الاقتصاد في المنطقة وفي التأثير على سلوكيات أبناء المنطقة.

هناك من يطالب  المسؤولين بالشركة الى العودة الى عقلية الاداري الغربي (ابوكبوس) الذي وضع خطط وانشاء نواة شركة ارامكو الذي يحترم من يقدر من يعمل باخلاص واتقان ويعطي كل ذي حق حقه، والعودة عبر الاعتماد على العمالة الوطنية العنصر السعودي ولتبقى ارامكو منارة نموذجية لبناء الوطن والمواطن.
فارامكو من أهم الانجارات والمشاريع العملاقة الناجحة في المملكة التي تستحق المحافظة عليها وتدعيمها ومنع تشويه انجازاتها.

كاتب سعودي