بالعدل والقسط نبني الوطن

سماحة العلامة  الشيخ محمد حسن الحبيب دام عزه
سماحة العلامة الشيخ محمد حسن الحبيب دام عزه

قَالَ تَعَالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) . سورة النحل

ما من أحد منا إلا وفي داخله إحساس بحقه وحقوقه، حتى الصغير بل الرضيع أيضا، ألا تراه يصرخ احتجاجا على أمه إذا أجلست رضيعا غيره في حضنها أو ألقمته أحد ثدييها، ومن المؤكد أنه غير قادر على التعبير عن مكنونات نفسه ولكن ذلك الاحتجاج ما هو إلا تعبير عن التعدي على ما يعده حقا من حقوقه فحضن الأم وصدرها بالنسبة إليه حق لا يجوز أن يسلب منه.

وهذا الإحساس و الشعور قد يكون فطريا كما في حالة الطفل وقد يكون نابعا عن ثقافة أو اعتقاد، أو ربما يكون منشأه المصلحة، ومع تجاوز التدقيق في صحة تلك الثقافة وسلامة ذلك الاعتقاد وتلك المصلحة، إلا أن ما ينتج عنه من تضاد أو تناقض بين حقوق الأفراد بعضهم مع بعض، وبين حقوقهم كأفراد والحقوق العامة للمجتمع أو الدولة أو الأمة لا يمكن تجاوزه والغض عنه.

فمثلا: الصياد يرى من حقه أن يحافظ على البيئة البحرية وخصوصا تلك التي تتكاثر فيها الأسماك، ويرى أن التعدي عليها هو تعد على ثروة البلاد التي يرزق منها هو ومن سيأتي بعده من الأجيال الآتية.

بينما يرى غيره أن تهيئة المكان للتنزه هو الآخر حقا من حقوقه، والاستمرار في وضع الواجهة البحرية من دون تنظيم وتنسيق (كورنيش) مخل بالنظام والنظافة والتحضر والرقي!!

ومثال آخر: يرى البعض وهم القلة من المسلمين أن زيارة النبي وأهل بيته وأصحابه بدعة من البدع المستحدثة في الدين لذا من حقهم القيام بالنهي عنها، بل عد ذلك من الواجبات المناطة بهم باعتبارهم كما يعتقدون أنهم وحدهم حراس العقيدة وأوصياء على جميع المسلمين فيما يعتقدون. ومن لا يستجيب لدعوتهم هذه ويكف عن شد الرحال لزيارته فهو داخل في ما يسمونه عباد القبور أو (القبوريون) وعليه فهو من الكفار والمشركين. 

بينما يندفع المسلمون والموالون لأهل البيت نحو المدينة المنورة لزيارة النبي وبضعته الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء وأئمة البقيع الغرقد ؛ الإمام الحسن بن علي ، والإمام علي بن الحسين ، والإمام محمد الباقر ، والإمام جعفر الصادق ، والآلاف من الصحابة والشهداء والأولياء والصالحين .

وهم بهذا العمل يرجون توقير وتعظيم النبي تمسكا بما ورد في الكتاب من الحث على توقيره وتعظيمه .
قَالَ تَعَالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(9). سورة الفتح

ولهذا فإن الأغلب من المسلمين يتعاملون مع الزيارات لقبور الأنبياء والأئمة والصالحين من منطلق الولاء والوفاء والمحبة والمودة، وتزداد أهمية مع سيد الأنبياء والمرسلين والعترة الطيبة الطاهرة من آله ، بل ربما عدها بعضهم في عداد الواجبات الأخلاقية بعد الفراغ من القول بالإجماع على استحبابها، ويمكن القول إن ذلك أقل الواجب تجاه منقذ البشرية وآله، وعليه فالقول بكون الزيارة حق من حقوقهم مما لا يرقى إليه الشك أبدا. والروايات المؤيدة للمدعى كثيرة جدا، منها: 

قال رسول الله : ﴿ مَنْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ هَاجَرَ إِلَيَّ فِي حَيَاتِي فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ زِيَارَةَ قَبْرِي فَلْيَبْعَثْ إِلَيَّ بِالسَّلامِ فَإِنَّهُ يَبْلُغُنِي. (1) 
وروي عن أبي هريرة أن النبي قال: ( مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي ، إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِيِّ ، حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ)(2)
ولعلماء الإسلام أقوال هي الأخرى متكاثرة " فقد قيّض سبحانه في كلّ عصر رجالاً يجاهرون بالحقّ، وينفون غبار الباطل عن وجهه نذكر منهم شخصيتين كبيرتين من السنّة والشيعة:

1. الإمام تقي الدين السبكي الشافعي المتوفّى سنة 567 هـ عليه سحائب الرحمة والرضوان فقد خصّ في كتابه «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» بابًا لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين.

2. العلاّمة الكبير الأميني في الغدير الجزء 5 / 109 ـ 512، فقد استدرك عليه بما لم يقف عليه الإمام السبكي، ونقل كلمات أعلام المذاهب الأربعة بما يتجاوز الأربعين كلمة".(3)

وقد خصص ابن قدامة الحنبلي(6) في كتابه المغني فصلا في استحباب زيارة النبي جاء فيه: وَيُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ﴿ مَنْ حَجَّ ، فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي، فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي . وَفِي رِوَايَةٍ:(مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي).

وفي آداب زيارة النبي قال ابن قدامة: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى... إلى أن قال: ثُمَّ تَأْتِي الْقَبْرَ فَتُوَلِّي ظَهْرَكَ الْقِبْلَةَ، وَتَسْتَقْبِلُ وَسَطَهُ، وَتَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَخِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَلَّغْت رِسَالَاتِ رَبِّك، وَنَصَحْت لأُمَّتِك، وَدَعَوْت إلَى سَبِيلِ رَبِّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَعَبَدْت اللَّهَ حَتَّى أَتَاك الْيَقِينُ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْك كَثِيرًا، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، اللَّهُمَّ اجْزِ عَنَّا نَبِيَّنَا أَفْضَلَ مَا جَزَيْت أَحَدًا مِنْ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته، يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخَرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت وَقَوْلُك الْحَقُّ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ). وَقَدْ أَتَيْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي، مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي، فَأَسْأَلُك يَا رَبِّ أَنْ تُوجِبَ لِي الْمَغْفِرَةَ ، كَمَا أَوْجَبْتهَا لِمَنْ أَتَاهُ فِي حَيَاتِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ أَوَّلَ الشَّافِعِينَ، وَأَنْجَحَ السَّائِلِينَ، وَأَكْرَمَ الآخَرِينَ وَالأَوَّلِينَ، بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. (7)

وهكذا في سائر الحقوق الفردية كالزوج والزوجة، أو الأب والابن، الأستاذ والطالب، الموظف والرئيس، وكذلك العامة كالمؤسسات ومنسوبيها، والدولة ومواطنيها ... وهكذا.

والسؤال هو كيف يمكن التوفيق بين هذه الحقوق الفردية أو العامة من دون أن يطال أي منهم ظلم أو حيف؟

والجواب بكلمة مختصرة: بالعدل والقسط، فبهما يمكن تأمين حقوق الجميع من دون تطاول على أي منهم، ومن دون تعد أحدهما على الآخر، والعدل يخلق مناخات إيجابية تشد أبناء المجتمع للتكتل والتعاون والتكامل في طريق بناء الوطن والحفاظ على مكتسباته، والتطلع لما يحقق المزيد من التقدم والازدهار.

ولذا فقد اهتم الفلاسفة والمختصون بالشأن الدستوري كثيرا بأمر العدالة، وقد انعكس اهتمامهم في الدساتير الوضعية التي عملوا على استنباط وصياغة موادها فجعلوها هدفا بارزا لها كما هو واضح لمن اطلع على مقدمة أي منها.

ويرى السيد المرجع المدرسي دام ظله: أن أكثرها لم تتوفق لتحقيق العدالة ضمن برنامج واضح. بل كان المذهب التقليدي للفقه الدستوري يرى وجوب الربط بين الدستور والنظام الديمقراطي الحرّ. فقد ساد الاعتقاد لدى هذا الفقه أن الدستور يرتبط بمضمونه، وأنه لا يكفي للقول بوجود الدستور أن يتضمن القواعد المنظمة للسلطة السياسية في الدولة، وإنما يجب أن يتضمن - فضلاً عن ذلك - القواعد التي تكفل حريات الأفراد وتصون حقوقهم. وصيانة الحقوق عبارة عن العدالة فيما يبدو. وبالرغم من أن المذهب الحديث في الفقه الدستوري فك هذا الارتباط إلاّ أن تطور هذا المذهب جعل الحرية والعدالة جزءًا من الدستور. (8)

وفي الدين الإسلامي ونظرا لأهمية العدل في حياة الناس أفرادا وجماعات جاء الأمر من الله بالعدل بلفظ صريح مقرونا باسمه جل اسمه فقال ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ومع أن الأوامر في الكتاب هي منه سبحانه إلا أن كثيرا منها لم يصرح باسمه سبحانه أو لم تأت بمادة الأمر وإنما بصيغته، مثل قَولَه تَعَالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ(43) . سورة البقرة

أو قَولَه تَعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) . سورة البقرة

ولعل السبب في ذلك هو الإيحاء بأهمية الأمر وعظيم خطره على المأمورين. ولذا جاءت التشريعات لتبين أن المجتمع المسلم عليه أن يوفر العدالة بين أبنائه وخصوصا المواقع المتقدمة فيه كالعالم المرجع الذي يرجع إليه الناس في الفتيا، والحاكم، والقاضي وما يتعلق بشؤون القضاء كالشهادة، وإمام الجماعة... وهكذا.

ومع أن الأمر بالعدل يكفي لكي يعي الإنسان بعقله الابتعاد عن كل ما يتنافر معه، إلا أن القرآن بينَها دفعا لأي التباس في أمور ثلاثة أي الفحشاء والمنكر والبغي، فالمتلبس بها أو بأحدها يكون متعديا لحدود الله أو لحقوق الناس.
قَالَ تَعَالى: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ سورة النحل.

  • بين العدل والقسط

العدل في اللغة هو: ما قام في النفوس أَنه مُسْتقيم، و هو ضِدُّ الجَوْر. والقِسْطُ هو: الحِصَّةُ و النَّصِيبُ. وعليه يكون العدل هو الأمر بكل صواب واستقامة على كل المستويات وفي كل الاتجاهات، والقسط هو العدل في دفع الحقوق إلى مستحقيها والوفاء بها لهم لا لغيرهم إلا إذا كانت لهم نحو ولاية أو وصاية أو وكالة أو ما أشبه.

وواضح أن العدل أعم من القسط فكل قسط هو عدل وليس العكس، والكلام يجري فيما يخالفه "فالفحشاء مخالفة للعدل، بينما لا علاقة لها بالقسط. بينما البغي (والظلم) مخالفة للقسط، كما أنها متناقضة مع العدل".( )

  • من موارد تطبيق القسط والعدل

العدالة التي يدعو إليها الإسلام لا تقتصر على جانب واحد من الجوانب بل تتناول جميع جوانب الحياة، وعليه فإن مسؤولية تطبيقها والعمل بها لا تقتصر على فرد بعينه أو شريحة معينة بل هي مسؤولية الأمة ككل، وكل يعمل من موقعه وحسب إمكاناته، وهذا يوجب عليه معرفة موارد تطبيقها كي يتمكن من العمل بها، فكما أن الإنسان مسؤول عن تعلم الصلاة وأجزائها وشرائطها وأركانها ونواقضها كي يتمكن من الإتيان بها على الوجه الصحيح، كذلك العدل ينبغي لكل مسلم تعلم حدوده وضوابطه وموارد تطبيقه حتى يتمكن من تطبيقه بشكل صحيح وسليم. ونظرا لكثرة موارده وسعتها نقتصر على بعض منها على وجه العموم.

  • أولا: العدالة على المستوى الفردي

كثيرا ما يعمل البعض على تحقيق العدالة في الخارج وينسى نفسه كأب، أم، زوج، زوجة، معلم، مربي، موظف، مسؤول، إمام جماعة، خطيب، داعية، وجيه، تاجر، حاكم، محكوم.... وهكذا. وقد نهى القرآن الحكيم عن ذلك.

قَالَ تَعَالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44) .  سورة البقرة

والصحيح هو العمل أولا على تحقيق العدالة في أنفسنا، وبالتالي الاتصاف بالعدالة وهي كما قال الفقهاء ملكة إتيان الواجبات وترك المحرمات.

وعليه يكون تحقيق العدالة في أنفسنا وانعكاسه على محيطينا وخصوصا المحيط المسؤول عنه هي أولى الخطوات في طريق بناء الوطن العادل والأمة العادلة.  

  • ثانيا: العدالة على مستوى المؤسسات الاجتماعية

يزخر مجتمعنا بالعديد من المؤسسات الاجتماعية والثقافية واللجان الأهلية التطوعية، وغير خفي على أحد دورها في تنمية المجتمع، ولكن قد تصاب من حيث لا تدري ببعض الأمراض المنتشرة في المجتمع مما يؤدي بها إلى الابتعاد عن العدل والقسط، فالإقصاء والتهميش والتسقيط، والتعصب الأعمى، والتحزب من دون حق، والتنافر والتباعد والتباغض... هي أمراض ينبغي التخلص منها لتحقيق العدل.

وإذا كان القرآن الحكيم أمرنا بالعدل مع الأعداء فالأمر هنا بطريق أولى وآكد.

قَالَ تَعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) . سورة المائدة 

  • ثالثا: العدالة على مستوى المؤسسات العامة

 المؤسسات العامة على مستوى الوطن هي ملك لأبنائه، والمؤسسات العامة على مستوى الأمة هي الأخرى ملك لأبنائها، وبالتالي فإن مسؤولية تطبيق العدالة فيها تقع على عاتق الجميع من دون استثناء، وإن كان للقائم بأمرها والمسؤول عنها القسط الأكبر، ولكن تخليه عن ذلك لا يعفي البقية عن تحمل المسؤولية تجاه تطبيق العدل فيها.

وختاما نقول: إن الأوطان لا يمكن بحال أن تبنى إلا على قاعدة القسط والعدل، وهذه مسؤولية الجميع كل بحسبه، والتخلي عن ذلك يضعنا في خانة الهادمين للأوطان والعياذ بالله.

قَالَ تَعَالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) . سورة النحل

thkjpvv

ملفات مرفقة
(1) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏96، ص 380.
(2) نقلا عن موقع الإسلام على الشبكة العنكبوتية، التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة.
http://feqh.al-islam.com/Display.asp?DocID=21&MaksamID=2166&ParagraphID=2224&Sharh=0
(3) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏96، ص 380.
(4) هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي، ولد في فلسطين سنة 541 هـ ، وتوفى عام 620 هجرية ودفن في دمشق بجبل قاسيون.
(5) نقلا عن موقع الإسلام على الشبكة العنكبوتية، التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة.
http://feqh.al-islam.com/Display.asp?DocID=21&MaksamID=2166&ParagraphID=2224&Sharh=0
(6) المرجع الديني السيد المدرسي،التشريع الإسلامي، ج‏8. نقلا عن نسخة الكترونية.
(7) المرجع الديني السيد المدرسي،التشريع الإسلامي، ج‏8. نقلا عن نسخة الكترونية.