الشيخ السعيد : الاحتفال بالمولد نصرة ومحبة لا بدعة محرمة

الشيخ حيدر السعيد
الشيخ حيدر السعيد

منذ زمن بعيد والجدال يدور بين الأعم الأغلب من علماء المسلمين وبين قلة منهم حول جواز الاحتفال بمولد النبي والأولياء والصالحين وعدمه، حيث ذهب المعظم من أهل القبلة إلى جواز الاحتفال بهذه المناسبات، بينما رأى القلة القليلة عدم جوازه وعدته من البدع المنكرة! ومما يؤسف له أن البحث في هذه المسألة خرج من دائرة البحث المستند على الدليل إلى التشنيع والتخرص والتهويس بل تعداه إلى اتهام المحتفلين بما لا ينبغي أن يقال في حق مسلم خصوصا بعد التسليم بالقاعدة المعروفة والمألوفة " حمل عمل المسلم على الصحة".

وللإنصاف نقول: إن علماء المسلمين يلتمسون العذر للمخالف ما دام الدليل قد أوصلهم إلى ذلك، ولكنهم لا يرتضون التخلي عما قادهم الدليل إليه وإن بلغ المخالف ما بلغ.

  • محبة النبي

ينطلق المحتفلون بمناسبة مولد النبي من منطلق المحبة له ، وامتثالا لما ورد في الكتاب والسنة من الدعوة إلى محبته وتوقيره وتعظيمه ونصرته.

قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ(24)سورة التوبة

ويقول سبحانه: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157) سورة الاعراف

وليس المراد من تعزيره، نصرته، لأنّه قد ذكره بقوله: (ونصروه) وإنّما المراد توقيره وتكريمه وتعظيمه، ولا يختصّ تعزيره وتوقيره في حياته بل يتعداها إلى ما بعدها، تمامًا كالإيمان به والتصديق بكتابه لا يختصّان بحال حياته الشريفة.

ونظرا لأهمية محبته فقد ورد عنه ما يفيد الارتباط الوثيق بين الحب والإيمان.

قال رسول الله : ( فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ‏ ‏لا يُؤْمِنُ ‏ ‏أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ). (1) ‏

  •   مشروعية الاحتفال بالمولد من الكتاب العزيز:

1. قال تعالى ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ(58) سورة يونس

فالله عز وجل طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبي هو الرحمة كما بين القرآن ذلك.

قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) سورة الأنبياء

ومجيء اسم الإشارة في الآية الأولى (فَبِذَلِكَ ) دليل للحض على الفرح والسرور، وهو كما قيل: إظهار في موضع الإضمار، وهذا مما يدل على الاهتمام والعناية.
2. قال تعالى: ﴿وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ(120) . سورة هود

وفيها بيان الغاية من ذكر أنباء الرسل وهي تثبيت الفؤاد، وحيث إن الرسول هو أفضل الرسل ...ففي ذكرى مولده الشريف ذكر لأنبائه التي تُثبِّت أفئدة المؤمنين.

3. قال تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) . سورة مريم

إشارات واضحة إلى ميلاد المسيح ومدحه ومزاياه وما كان ميلاد أشرف الأنبياء بأقل شأنا من ميلاد عيسى .

4. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56). سورة الأحزاب

وهذا دليل واضح على توقيره وتعظيمه في كل وقت وكل حين... وما الاحتفال بالمولد إلا تطبيع النفس على كثرة الصلاة على محمد وآل محمد، والسلام عليه وعليهم أجمعين.

  •   مشروعية الاحتفال بالمولد من السنة الشريفة

1. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله سئل عن صوم يوم الاثنين؟ فأجاب : ( ‏فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ). (2)

فبركة اليوم إنما جاءت للحدث الذي صار فيه، وقد ندب الصيام فيه، وما ربما قد يقال من اختصاص عمل يوم الاثنين بالصيام في غير محله لأنه تخصيص من دون مخصص كما قيل.
وقد قال الشاعر الأستاذ يوسف حسين الحمود:

                     "ذاك يوم ولدتُ فيه"، لَيوم                           حفّه النور والسنا والضياء                      

 أفما يحتفى بيوم كهذا                                  فبماذا إذن هو الاحتفاء؟

مولدُ الشاهد البشير أقيمت                            به للناس ملةٌ عوجاءُ

 

2. ذكر ابن عباس في حديث طويل أن الأصحاب تذاكروا سير الأنبياء فأرشدهم النبي إلى ذكر سيرته وهو أفضل الأنبياء والمرسلين. حديث ذكره البيهقي.(3)

  • مشروعية الاحتفال بالمولد من الإجماع

أجمع علماء الإسلام على مشروعية إقامة الاحتفال بمولد النبي ، وهذا هو سيرة المتشرعه وديدنهم على مر العصور، بل وأيضا سيرة المتدينين من هذه الأمة المرحومة.
والاختلاف في تاريخ البدء بالاحتفال لا يقلل من أهمية الإجماع والسيرة من قبل المتشرعين والمتدينين على السواء.

  • إشكالات المعترضين

أكثر المعترضون الكلام فيما نحن فيه وألفوا الكتب والمقالات ولعلك لو أخذت جولة في الشبكة العنكبوتية لرأيت العجب العجاب، ونحن نورد هنا أهم ما ذكروه مع أن ضعفه غير خفي على الناظر البصير.

1. قالوا بأن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يشوبها مخالفات شرعية كالرقص والموسيقى والاختلاط وما شابه ذلك!!

وهذا منهم غريب عجيب!! فرمي المسلمين بهذه التهم الباطلة والافتراء عليهم مما لا يقر به دين ولا يقبل به عقل، مضافا إلى أنه خارج عن محل البحث فمحل البحث هو مشروعية الاحتفال وليس ما يمكن أن يرافقها من المحرمات فمع فرض وجودها والعياذ بالله فهي الحرام الذي ينبغي اجتنابه وليس الاحتفال كما هوا واضح.

2. قالوا إن الاحتفال من العبادة وهذا شرك بالله ...وحشروا مع هذا الإشكال مفاهيم التوسل والشفاعة والاستغاثة بالميت...وغيرها.

ويرد عليه أن العنصر المقوم لصدق العبادة على العمل هو الاعتقاد بألوهية المعظم له أو ربوبيته ...ومن المعلوم أن المسلمين يحتفلون بذكرى أعظم إنسان في الدنيا وكلهم يدينون له بالهداية ...وهم يعتقدون أنه عبد من عباد الله الصالحين.

قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110) . سورة الكهف

3. وقالوا: إن المولد بدعة... وكل بدعة ضلالة ...ولم يفعله  أحد من السلف.

  • ولعل هذا من أهم ما ذكروه من الأدلة.

وقد ناقش علماء أهل السنة هذه المسألة نقاشا مستفيضا، وإليك ملخص ما قالوا:

أولا: اختلفوا في تعريف البدعة، فقال الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. (4)

وقال أيضاً: ما أحدث وخالف كتابًا أو سنة أو اجماعًا أو أثرًا فهو البدعة الضالة وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئًا من ذلك فهو المحمود. (5)

ولذا قيد العلماء حديث "كل بدعة ضلالة" بالبدعة السيئة، ويصرح بهذا القيد ما وقع من أكابر الصحابة والتابعين من المحدثات التي لم تكن في زمنه .

ثانيا: نحن نشاهد اليوم مسائل كثيرة لم يفعلها السلف وذلك كجمع الناس على إمام واحد في آخر الليل لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح، وكختم القرآن فيها، وكقراءة دعاء ختم القرآن وإطالته وكنداء المنادي بقوله صلاة القيام أثابكم الله ، فكل هذا لم يفعله النبي ولا أحد من السلف ، فهل يكون له بدعة ؟ أو يكون محرماً فعله ؟؟ !! ..

ثالثا: الاحتفال بمولد الزعماء واليوم الوطني والذكرى السنوية للعالم الفلاني ومؤتمر عن حياة ابن تيمية وأسبوعية محمد بن عبد الوهاب، وغيرها من المناسبات المحتفل بها لدى الكثير من الدول والشعوب الإسلامية من دون نكير من أحد.

رابعا: أقوال بعض العلماء

قال ابن حجر : فمن تحر في عمله المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة...يقصد المولد. (6)

وقال السيوطي: هو من البدعة الحسنة لما فيه تعظيم قدر النبي .واستحسن السيوطي ذلك وكتب كتابا سماه حسن المقصد في عمل المولد. (7)

وقال ابن الجوزي: ومن خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام. (8)

وأما ابن تيمية فقد استحسن المولد في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم "طبع دار المعرفة  ص297" فقال: فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس فيكون له فيه أجر عظيم..قد يثاب بعض الناس على فعل المولد لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله. (9)

نسخة بي دي اف من الخطبية

ملفات مرفقة
(1) البخاري، صحيح البخاري، حديث 13.
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=0&Rec=25.
(2) مسلم، صحيح مسلم، حديث 1987.
http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=1&Rec=2576
(3) دلائل النبوة (5/270-500) وأصل الحديث في الصحيحين نقلا عن بلوغ المرام
(4) بلوغ المرام ص24فتح المغيث للسخاوي ج2ص229
(5)بلوغ المرام ص 24
(6)الحاو ي للفتاوى للسيوطي نفلا عن موقع اسلام أون لاين الاحتفال بالمولد النبوي: حكمه وضوابطهً
(7) المصدر
(8) بلوغ المرام 24
(9) نقلا عن بلوغ المرام ص 21