المتطوعين للأعمال الخيرية


﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ

 ذكر أحد الكُتَّاب أن عدد المتطوعين للأعمال الخيرية الحسينية يصل إلى أكثر من 200 مليون متطوع سنوياً سواءً بمالٍ أو جهدٍ أو وقتٍ في مختلف بقاع الأرض كما ذكر أن النفقات النقدية و غير النقدية التي تُنفَق في إحياء المراسم الحسينية سنوياً تبلغ الملايين من الدولارات و هي تُصرَف في شتى أوجه الإنفاق كإنشاء الحسينيات و الجوامع و المواكب و الإطعام و إصدار الكتب و غيرها.

لا يستطيع أيٌ منا حصر فضل و ثواب الإنفاق من أجل إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام و كذا أثره علينا في الدنيا و الآخرة . و في آياتٍ متتالية من سورة البقرة ضرب الله سبحانه و تعالى مثلاً لزيادة الإنفاق و نموه بقوله ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء و ذكر المورد الذي توضع فيه هذه الصنيعة و هو الفقراء ثم ذكر ما لهذا الإنفاق من عظيم الأجر عنده سبحانه.

و نحن اليوم بحاجةٍ ماسةٍ لتوجيه هذا الإنفاق و تطوير آلياته فقد حصر الحسين سلام الله عليه سبب خروجه بطلب الإصلاح و هذا هو الهدف من ثورته عليه السلام في وقتٍ استشرى فيه الفساد بكل صوره السياسية منها و الاجتماعية. و لذا ينبغي أن نساهم في إصلاح مجتمعنا بكل الطرق باسم الحسين عليه السلام .

 يستغل أصحاب المشاريع الخيرية أيام عاشوراء لجمع التبرعات و يدفع الناس الأموال الطائلة مساهمةً في إحياء الشعائر الحسينية و لكن استثمار هذه الأموال يجب أن يكون أشمل و أقوى فمعظم المجالس الحسينية يتكفل أصحابها و القائمون عليها بمصاريفها دون احتساب ما يُقدم لهم من أموالٍ كنذورات أو مساهمات . إن جمع هذه الأموال و تقسيمها بحاجة للتنظيم إذ يمكن دفع جزء منها لبناء و تطوير الحسينيات و المساجد و المراكز الدينية داخل وخارج البلاد كما يمكن دفع جزء منها للمجالس التي تحتاج إلى دعم مادي لا تحصل إلا على جزء بسيط منه و يمكن أيضاً الإسهام بجزء منها في الأعمال الخيرية مثل كفالة الأيتام باسم الحسين عليه السلام و تعمير بيوت الفقراء و إنشاء مبرات باسم أهل البيت عليهم السلام و لكن الإنفاق بغية الإصلاح الجذري هو ما يجب أن نقوم به.

إن الأزمة الاقتصادية عالمية و الفقر سبب لمعظم المشاكل التي تعيشها المجتمعات و يكفينا قول الإمام علي عليه السلام " لو كان الفقر رجلاً لقتلته " و في حديث آخر عرًّف أمير البلاغة سلام الله عليه الوطن بربطه بالناحية الاقتصادية " الفقر في الوطن غربة ، و الغنى في الغربة وطن" فلماذا لا نحارب الفقر باسم الحسين عليه السلام؟! هذه الأموال التي تُبذَلُ باسم الحسين عليه السلام و التي تُقدر بالألوف ينبغي أن يُنفق جزء منها في محاربة الفقر و البطالة و هما وجها المعاناة التي صارت جزءاً من حياتنا و سبباً للمشاكل التي صارت مؤرقة كالعنف. و يمكن أن نؤهل الشباب لسوق العمل من خلال إنشاء معاهد و عمل دورات و الإنجاز الأكبر هو عمل مشاريع لتوظيف هذه القدرات الشابة و المتحفزة.

 أسباب النجاح لأي مشروع متوفرة لدينا فلا تنقصنا الخبرات و المواقع المناسبة و لا رأس المال الكافي و أهم متطلبات البدء بمشروعٍ ما و إدارته هما الحافز و الموهبة فأي حافزٍ هو أفضل من السير على خط الحسين عليه السلام الذي بذل دمه لأجل إصلاح أمتنا؟! و المواهب عندنا لا حدود لها فشبابنا هم خيرة الأيدي العاملة و الموهوبة بشهادة الجميع .

إن اجتماع  الفقهاء و أصحاب رؤوس الأموال و أساتذة الإدارة المالية و خبراء المشاريع و أصحاب المواهب و الأيدي العاملة عملٌ يتطلب جهداً و سعياً لا بد منه لتفعيل موالاتنا لأهل البيت عليهم السلام بطلب أحد أوجه الإصلاح التي سعوا إليها دائماً و في قصة النبي صلى الله عليه و آله مع الأنصاري الفقير علاج عملي للفقر إذ جاءه الرجل سائلاً فطلب منه النبي صلى الله عليه و آله إحضار ما يملك في بيته و باعه بدرهمين و أمره بشراء طعام و فأس يحتطب به و جاء الفقير للنبي صلى الله عليه و آله بعد خمسة عشر يوماً و قد أصاب عشرة دراهم من عمله و بذا علمه النبي صلى الله عليه و آله كيف يكسب الرزق الحلال.

 إن التنافس و التطوير في مجالات الخدمة لأهل البيت عليهم السلام يجب أن يرتقي فالله سبحانه و تعالى مدح المتميزين في الخير و ليكن شعارنا ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ