دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

 الإمداد الغيبي أمر ينكره الماديون، فلا يقيمون له حسابا، ويصدقه المؤمنون بالغيب، فيدخلونه في معادلاتهم دائما. لكنه كأي عطاء إلهي محكوم بقوانين ربانية حكيمة، فلا يتنزل اعتباطا، يقول تعالى ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.

الإمداد الغيبي كما تشير إليه كثير من الآيات لا يتحقق إلا بتوفر شروطه الموضوعية، والتي منها الإيمان المشفوع بالعمل الصالح المشفوع بالنية الصادقة الخالصة لله مع وضوح الرؤية والسبيل. يقول تعالى ﴿قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ. الشروط التي ذكرناها مستفادة من المقابلة بين الفئتين في قوله ﴿فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ.

هذه الآية تتحدث كما يقول المفسرون عن معركة بدر التي قال الله عنها ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ. وكان المدد الغيبي فيها للمؤمنين حاضرا بقوة بالملائكة ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ، وبنوع آخر من المدد الغيبي يتمثل في قوله تعالى (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ). فالفئة الكافرة كانت ترى في الفئة المؤمنة ضعف عددها من الجنود، وهذا من الأساليب النفسية المؤثرة في إحداث الهزيمة الداخلية في صفوف العدو قبل كسب المعركة عسكريا على الأرض. وهو ما يمكن أن نسميه أسلوب التقليل والتكثير الإيحائي، انطلاقا من قوله تعالى في سورة الأنفال، والحديث عن معركة بدر الكبرى ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44).

قد يرد تساؤل هنا عن قوله (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) حيث الحديث عن تقليل المؤمنين في أعين الكافرين، فكيف يمكن التوفيق بينه وبين (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ)؟ والجواب في دقيقة التأمل القادمة بإذن الله.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام