دقيقة تأمل

2/2/2015

أ . بدر الشبيب *

التقليل والتكثير الإيحائي هو من طرق الإمداد الغيبي. قبل أن يلتقي الفريقان في معركة بدر كانت استراتيجية تقليل أعداد العدو حتى لا يتراجع البعض أو يحدث تنازع واختلاف يؤدي إلى الفشل. يقول تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

وحين التقى الجمعان، كان لاستراتيجية التقليل مفعولها أيضا كما أخبر عن ذلك الله في كتابه العزيز (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ). فهذه الآية ناظرة إلى ما قبل الالتحام في المعركة ﴿إِذِ الْتَقَيْتُمْ.

والعجيب أن النتيجة عند الفريقين لم تكن واحدة برغم المنشأ الواحد وهو التقليل. يقول صاحب تفسير (التحرير والتنوير): "وهذا من بديع صنع اللّه تعالى إذ جعل للشيء الواحد أثرين مختلفين، و جعل للأثرين المختلفين أثرا متّحدا، فكان تخيّل المسلمين قلّة المشركين مقويّا لقلوبهم، وزائدا لشجاعتهم، ومزيلا للرعب عنهم، فعظم بذلك بأسهم عند اللقاء، لأنّهم ما كان ليفلّ من بأسهم إلّا شعورهم بأنّهم أضعف من أعدائهم عددا وعددا، فلمّا أزيل ذلك عنهم، بتخييلهم قلّة عدوّهم، خلصت أسباب شدّتهم ممّا يوهنها.

وكان تخيّل المشركين قلّة المسلمين، أي كونهم أقلّ ممّا هم عليه في نفس الأمر، بردا على غليان قلوبهم من الغيظ، وغارّا إياهم بأنّهم سينالون التغلّب عليهم بأدنى قتال، فكان صارفا إيّاهم عن التأهّب لقتال المسلمين، حتّى فاجأهم جيش المسلمين، فكانت الدائرة على المشركين، فنتج عن تخيّل القلّتين انتصار المسلمين".


أما عند الالتحام فإن استراتيجية التكثير الإيحائي هي التي عملت في صفوف الفئة الكافرة، فرأت في جيش المسلمين ضعف عددها (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ). وبهذا يرتفع الإشكال الذي قد يرد في الذهن حول التقليل والتكثير لأن لكل واحد منها ظرفه المستقل.

حين تتوفر الشروط يحضر الغيب في أشكاله المختلفة، ويقلب الموازين والحسابات، ولا يتأخر أبدا. فليكن تركيزنا على الشروط ليتحقق المشروط.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام