دقيقة تأمل

مواجهة المخطئ بخطئه

أ . بدر الشبيب *

 

 مواجهة المخطئ بخطئه لإيقاظ ضميره وإطلاعه على نتائج خطئه، ولدفعه للاعتراف به والاعتذار منه؛ ينبغي أن يتم بأسلوب حكيم يصيب الهدف بأقل الإصابات. الأسلوب اليوسفي هو نموذج من أرقى النماذج التي يحتاج الناس تعلمها وممارستها في علاقاتهم ومعاملاتهم. في البداية غمر إخوته بالإحسان، وهم المسيئون إليه، حتى قالوا له وهم لم يعرفوه بعد: ﴿إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

ثم عندما أراد مواجهتهم بما فعلوه، اختار طريقة بارعة في المكاشفة عن طريق السؤال الذي يجعل الآخر يواجه نفسه بنفسه، ويرجع إليها، فيكتشف خطأه، ويعترف به دون مقاومة. ليس هذا فحسب، بل إن نبي الله يوسف ، ذهب أبعد من ذلك، فالتمس لإخوته العذر، فأعفاهم من اختلاق الأعذار والتبريرات الواهية، وصرفهم إلى التركيز على فعلتهم الخاطئة. قال لهم بلطف نبوي رفيع: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ.

ما أجمل أن نتأمل في قوله ﴿إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ حيث لم ينتظر منه عذرا، وإنما أوضح لهم تفهمه لما حدث منهم، لأنه صدر عن جهالة، فهم معذورون عنده.

وقد ورد عن النبي قوله: (اطلب لأخيك عذرا ، فإن لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا).

قادهم هذا الأسلوب إلى الاعتراف بخطئهم أمامه بعد أن عرفوا بأنه هو يوسف ﴿قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ.

لم يوبخهم، ولم يحاسبهم حسابا عسيرا، ولم يشمت بهم، وإنما انطلق من ذاته الشريفة المتسامية على أعمق الجراح. فكان جوابه مختصرا وفي غاية النبل: ﴿قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

لم يكتفِ بمسامحتهم والصفح عنهم، بل دعا الله سبحانه وتعالى لهم بالمغفرة، وذكرهم بالرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء، والتي يجب أن يتمثلها الناس في سلوكهم مع بعضهم البعض فيكونوا رحماء بينهم.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام