دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

مطلوب من الإنسان أن لا يزكي نفسه أمام الآخرين، التزاما بقول الله تعالى: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى، ولذا قال الإمام علي : ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكَر ذاكرٌ فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين.

فالإنسان الذي ينشد الكمال لن يتقدم باتجاهه ما لم يشعر بالتقصير، وكلما كان الشعور في النفس أعمق، كان السعي أكثر جدية وأحمد عاقبة. فالمتقون، وهم المرتقون مدارج الكمال، جاء في صفاتهم: لا يرضون من أعمالهم القليل. ولا يستكثرون الكثير. فهم لأنفسهم متهمون. ومن أعمالهم مشفقون. إذا زُكِّي أحدهم خاف مما يقال له فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من نفسي. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون.


لكن لقاعدة عدم التزكية هذه استثناء، وذلك عندما يحتاج المرء لتعريف نفسه وذكر مؤهلاته وقدراته، كما في حال التقدم لشغل وظيفة معينة. فإنه، والحال هذه، سيحتاج إلى بيان استحقاقه لها من خلال ما يعرف بالسيرة الذاتية. المهم أن يلتزم الإنسان في مثل تلك الحالة الصدق والموضوعية وأن لا يدعي ما ليس فيه. وقد ورد هذا المضمون عن الإمام الصادق في الرواية التالية التي ينقلها العياشي في تفسبره: قال سفيان: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يجوز أن يزكي الرجل نفسه؟ قال: نعم إذا اضطر اليه أما سمعت قول يوسف: ﴿اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ وقول العبد الصالح: ﴿وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ.

النبي يوسف كان يعرف من نفسه أنه الأكثر أهلية لتلك الوظيفة الحساسة في الظرف الدقيق الحساس. ولذا لم يتردد في كشف مؤهلاته لملك مصر حينها، طالبا منه تعيينه في المكان المناسب.

على أبنائنا أن يستفيدوا من هذا الدرس البليغ، وأن يعرفوا كيف ومتى يقدمون أنفسهم بصدق للآخرين. عليهم أن يكتشفوا ذواتهم، وأن يؤهلوها لتقلد المناصب والمراكز المهمة، ولا يرضوا لأنفسهم بالوظائف الدنيا أو العيش في عسل الوظائف الوهمية. كما إن عليهم أن يعملوا بكل نزاهة على إقناع الآخرين بما يمتلكونه من مؤهلات وقدرات حقيقية.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام