ترك حطام الدنيا خلف ظهره، و دأب في خدمة الدين و المجتمع.

العمة العاملة الزاهدة

منتظر الشيخ أحمد

يقول جل جلاله في محكم كتابه الكريم ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) بقلوب مطمئة لقضاء الله وقدره تلقينا و نحن في غربتنا نبأ إرتحال الأستاذ و المربي الفاضل و الأخ و الصديق سماحة حجة الإسلام و المسلمين الشيخ عمار عبدالعزيز المنصور (أباحكيم) – رحمه الله رحمة واسعة و أسكنه فسيح جناته مع الطاهرين محمد و أهل بيته عليهم السلام أجمعين- في السابع و العشرين من شهر تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2015 م.

و يعُز علي أن أنعى أستاذي المتفضل علي بكل ما أنا فيه من توفيق، و الذي ما أنقطع عن التواصل معي، و إرشادي رغم بعد المسافة، و تقلب الأحوال، و زحمة مشاغله و هو كالنحلة (لا تأكل الا طيباً، ولا تضعه الاطيبا) و حتى قبل ساعات من رحلة الرحيل آثر على نفسه إلا أن يغرس غرسه فأرسل لي تعزية و مواساة في أبا الأطهار و الأحرار أبوعبدالله الحسين.

عرفت سماحته منذ أن كنت في الثالثة عشر من عمري، حيث تفضل سماحته علي و على مجموعة من الصغار بتقديم دروس فقهية في مجلسه الذي كان شاهداً على حبه للعلم، و غرسه في نفوس الصغار و الكبار، حتى تخرج على يديه العلماء و الكتاب و العاملين الرساليين. و التزم سماحته دروسه في منزله، رغم تكاسلنا و نحن فتية صغار، حتى أسس دار الإمام الحسين للبحوث و الدراسات في مدينة سيهات، و التي كانت و مازالت خلية نحل يتوافد اليها المؤمنون. و رغم الإمكانيات القليلة، إلا أن سماحته (رحمه الله) ماتكاسل عن الخدمة و مواصلة الجهد في بناءها و إعمارها في مختلف الجوانب الحسينية، فنشرت الكتب، و أقامت مأتم عزاء دوري، و دروس حوزوية، و دورات و ندوات تخدم مختلف الأعمار و الفئات، و أذكر قبل عشر سنوات سألته عن عامل إستمرارية هذا المشروع فقال " الإمام الحسين هو عامل غيبي لإستمرار هذا المشروع ، فمن أتى لخدمة ابو عبدالله يحصل على ابواب التوفيق من حيث لا يحتسب".

و لايمر موسم إلا وكان للشيخ مشروع فيه، و عطاء كبير، فمن دار الإمام الحسين إلى برنامج أمل الثقافي و الذي يستهدف فئة الصغار و الشباب على أعتاب البلوغ في دورات ثقافية و عقائدية و فقهية خلال فصل الصيف. و ما أن ينقضي الصيف حتى تراه يلتحق بركب الحجيج خادماً للأمة ضمن قافلة بعثة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دامت بركاته). و ما أن تنتهي فترة الحج حتى يعود للبلاد ليبدأ تحضيره للموسم الحسيني في دار الإمام الحسين، فمن فيض بركاته أن أقام الملتقى الحسيني بنسختين متميزتين طرحت الأولى قراءة في كتب المقاتل، و الثانية قراءة في الزيارات الحسينية. و لا تنقضي فترة العشرة الأولى من محرم، حتى يشد الرحال إلى العراق ليخدم زوار المولى أبي عبدالله الحسين ضمن قافلة مضيف أبوطالب(عليه السلام) لخدمة زوار الحسين(عليه السلام). بالإضافة لإلتزامه الحوزوي في الدرس و التدريس صباحاً و مساءاً طوال السنة في مختلف حوزات القطيف، فبالإضافة لحوزة القطيف العلمية إلتزم سماحته في التدريس لفترة طويلة في حوزة القائم الرسالية في العوامية، و حوزة الزهراء العلمية في أم الحمام، بالإضافة لمساهمته في تأسيس حوزة الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه) مع جمع من العلماء في سيهات، كل هذا العطاء بعيدا عن الأضواء و الضوضاء، يتذوق ويذوق في كل مايعمل حلاوة الإيمان.

تعلمت منه الكثير، و مازلت أتعلم، أتأمل وصاياه، رسائله، دروسه، أوراقه المتناثرة في مكتبتي المتواضعة، التي لايعبر فيها كتاب إلا وفيه ذكرى منه، ورائحة من قلمه المعطاء.

عالم زاهد، ترك حطام الدنيا خلف ظهره، و دأب في خدمة الدين و المجتمع، فحق للأمة أن تثلم على رحيل هذا العالم ثلمة لايسدها إلا عالم مثله.
هنيئاً لأم الحمام الوطن الذي أحب دائماً أن ضمت مسكنه الأخير، يسلم عليه أهلها كلما مروا عنده، و عزائي لسيهات و القطيف و الأمة عامة في فقدها هذا العالم الرسالي الذي قل مثيله.

خالص عزائي و مواساتي للأمة الرسالية، و للمرجعية الرسالية، و لعائلته الكريمة في هذا المصاب الجلل. فإنالله و إنا إليه راجعون.