نظرة في طريق الوحدة

هاني زين الدين

اعتبر سماحة المرجع المدرسي قبل أيام في إحدى محاضراته القيمة أن التزامن بين ميلاد منقذ البشرية والمسيح ابن مريم عليهما السلام يعد فرصة لعودة العالم إلى الأديان السماوية والتمازج والتعايش فيما بينها؛ من أجل مصلحته وحل مشاكله.

أتت هذه الخطوة من سماحته انطلاقا من أن الأديان السماوية واحدة غير منفصلة ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنّصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، لا من منطلق البشر وأفكارهم وتصرفاتهم كمسلمين ومسيحيين؛ فهو منطلق سماوي بالدرجة الأولى وإنسانيا وعالميا من الدرجة الثانية.

إن الاديان السماوية خير ورحمة للبشر، الذين هم خلق الله الكريم وقد خلقهم ليرحمهم؛ فدين الله في رسالات الأنبياء غايته الخير للجميع. ومن جهة أخرى إن وصايا الأنبياء؛ أي قيم الدين  وأهدافه ومحكماته هي واحدة  عند الأنبياء، وإنما تختلف الشرائع.

وعليه فإن التمسك بسلسة الأنبياء والرسل وما جاؤوا به من الحق يعد المنجي من الفكر المنحرف والاعتقادات الخاطئة. 

والإسلام كما نعتقد -نحن كمسلمين- أنه جامع لمزايا جميع الشرائع السابقة ومكملة لها:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا)، فلا ننفصل عن تلك الديانات السماوية نصرانية من المسيح عيسى ابن مريم أو يهودية من موسى بن عمران مثلا.

فعندما نطالع آيات القرآن الكريم نجده يذكرنا بقصص الأنبياء والمرسلين جميعا، وجعل ذلك من ضمن إيمان الإنسان الموحد لله جل وعلا، والطاعة والتسليم لما يقولون به: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

 وهذا الإيمان ليس لفظيا؛ وإنما يدل على احترام  للمؤمنين بالأنبياء.

وهو الحال نجده في التراث الروائي والحديثي لأهل البيت  فقد نقلوا لنا الكثير من كلام النبي المسيح عيسى بن مريم وبقية الرسل توطيدا لعلاقة الناس بالأنبياء وبالشرائع السماوية.

وكذلك نجد هذا الارتباط الوثيق واضحا وجليا في بعض الزيارات كزيارة الإمام الحسين(السَّلامُ عـَلَيـْكَ يا وارِثَ آدَمَ صـَفـُوةِ اللهِ السَّلامُ عـَلَيْكَ يا وارِثَ نـوُحٍ نَبــِيِ اللهِ السَّلامُ عـَلَيـْكَ يـا وارِثَ إبـراهيـمَ خـَليـلِ اللهِ السَّلامُ عـَلَيـْكَ يا وارِثَ موســى كـَليِم اللهِ السَّلامُ عـَلَيـْكَ يـا وارِثَ عـيـسى روُحِ الله) وزيارة الإمام الرضا وزيارة أمير المؤمنين أو الأدعية كدعاء الندبة. 

كل ذلك؛ يعطينا الأمل -كما أشار سماحته- من خلال الارتباط بهم لحل الأزمات والمشاكل العالمية، وما تقوم به الدول العظمى من حروب وويلات، كالذي يحصل في العراق وسوريا وغيرها من الدول المستضعفة، وظهور الحركات المتطرفة والتي لم تقتصر  على المستوى الإقليمي، بل تعدت ذلك على مستوى العالم، حتى أصبح التشدد فكرا إرهابا عالميا، فيضرب في روسيا وفرنسا والشرق الأوسط و أفريقيا.

وإن مشاركة سماحة السيد المرجع المدرسي في مؤتمر قادة الأديان لمحاربة العبودية والرق بالعاصمة الإيطالية، والذي تعتبر أول مرجعية دينية شيعية تحضره، وإشارته إلى أهمية المزاوجة بين الميلادين لنبيين من أنبياء الله في إحدى محاضراته لهو دليل على انفتاح الإسلام على سائر البشر من أتباع الديانات السماوية الأخرى، ونبذ الفكر المتطرف والمنحرف الذي يعيش على تفتيت الأمة وشق صفها، ولذا فإننا بحاجة ماسة اليوم إلى هذا المبدأ الأخلاقي والديني؛ ليعم السلام والأمن بين الأمم والشعوب.

  •  ولكي يتحقق ذلك فلابد لنا من الاهتمام بالأمور التالية:

1-الاتباع الحق للقيادات الربانية وما يصدر عنها من مبادئ وقيم معتمدة على القرآن والسنة، ابتداء من الرسل وانتهاء بورثتهم من العلماء.

2-ارساء دعائم السلم والشراكة، ليس من منطلق مجتمعي فقط؛ بل على مستوى الأمم والأديان السماوية كما أشار له سماحته.

3-احترام الأديان السماوية الأخرى(قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله)، وكما أشار لذلك سماحته بأن الدين عند الله واحد ولا يصح ضرب الأديان بعضها ببعض.

4- تمثل القيم والمبادئ التي بشر بها الأنبياء والمرسلون.  

5-التخلص من النفاق العالمي عند بعض  الدول والمتأسلمين، الذين يعمدون إلى إباحة إقامة الاحتفال برأس السنة الميلادية للنبي عيسى، وتجريم وتكفير من يقوم بالاحتفال بميلاد منقذ البشرية.