في دول العالم الثالث ينام المستهلك والمنتج كل في جزيرة لوحده
متى يلغي المستهلك دور الجهات الرقابية؟
قبل أيام أعلنت الخطوط السعودية عزمها تطبيق ضريبة على اختيار المقاعد على متن طائراتها.
أقصى ردود الفعل المتوقعة تجاه قرار من هذا القبيل هو أن نبدي انزعاجنا!، بالضبط كما حدث في السودان قبل حوالي أسبوعين عندما رفعت شركة «زين» للاتصالات - هناك - أسعار خدمات الإنترنت، هو مجرد إنزعاج يبديه المستهلك وقلق لا يفضي إلى أي نتيجة سوى بقاء حالة الفرض والقسر على استهلاك سلعة أو خدمة سيئة، والحديث هنا ليس خاصاً بالخطوط السعودية، ولا شركة زين، فالسوق مليء بالشركات التي لا يهمها سوى زيادة الأرباح.
المستهلك له دور كبير - إذا أراد ذلك - في تطوير البيئة الاقتصادية، فقبوله بالمنتج يساهم في بقائه، أما رفضه له بسبب الرداءة أو أي سبب آخر سيؤدي إلى أحد أمرين: إما خروج المنتج من السوق، أو تطويره للحفاظ على مكانته.
فهو إذاً حائط الصد الأول لمنع المنتجات أو الخدمات الرديئة من دخول الأسواق.
أكاد أجزم أن المستهلك لو مارس هذا الدور فإن جهات الرقابة الرسمية على الأسواق ستقفل أبوابها.
في الدول المتقدمة يمارس المستهلك دوراً كبيراً في الحفاظ على سوق صحي، كما تحرص الشركات على تلمُّس احتياجات العملاء، وتطوير منتجاتها وخدماتها لتفوز برضاهم، ضمن منافسة تسويقية شديدة.
أما في دول العالم الثالث فينام المستهلك والمنتج كل في جزيرة لوحده، فلا الشركات تبحث عن رضا عملائها ولا المستهلكون يمارسون دوراً إيجابياً في الدفع بالشركات صوب تطوير السلعة أو الخدمة.
هذا الحديث ينطبق على كثير من القطاعات الاقتصادية في دول المجلس مع بعض التفاوت.
لا شك أن التاجر أو المستثمر ينظر إلى مصلحته في المقام الأول، ومتى ما تعرَّضَ إلى ظروف ضاغطة تدفعه إلى التغيير في أسعار السلع أو الخدمات فإنه لن يتردد في رفع الأسعار أو تقليل الجودة أو فرض رسوم إضافية على الخدمة، كما فعلت الخطوط السعودية وكما تفعل الكثير من الشركات.
في المقابل فإن رد الفعل المنتظر من المستهلك يجب أن يتجاوز حالة القبول السلبي إلى حالة الرفض الإيجابي.
الرفض الإيجابي يعني أن يمارس دوراً يحفظ له حقوقه ومصالحه. فما يحق للتاجر يحق للمستهلك.
قبل أيام علَّقَ أحد رجال الأعمال في البحرين على قرار زيادة الحكومة البحرينية رسوم الكهرباء والماء واحتمالات انعكاس ذلك على المستهلكين الأفراد بقوله: «لجوء الشركات إلى رفع الأسعار سيكون واردا، لكنه سيكون الخيار الأخير بالنسبة لها»، وتوقع «أن تقوم الشركات بخطط بديلة لخفض نفقاتها ورفع مستوى إنتاجها». هذه نظرة جداً تفاؤلية، فليس من طبيعة الشركات في دولنا أن تبادر إلى خفض نفقاتها أو رفع مستوى إنتاجها إذا كان الخيار الأسهل متوفراً.
أقصد خيار تحميل المستهلك كامل الأعباء.
هذا التفكير الاقتصادي قد تلجأ له شركة مثل American Airlines التي قامت بإلغاء زيتونة واحدة من كل وجبة تقدمها في وجباتها للمسافرين على طائراتها، كان تقليل حبة زيتون واحدة من كل وجبة قد وفر عليها حينها (عام 1987) 40 ألف دولار في عام واحد.
وهو الأسلوب ذاته الذي اتبعته شركة North West الأمريكية التي وفرت مليوني دولار سنوياً بإلغاء كيس المكسرات من وجباتها أيضاً، وهو خيار لا يضيف أعباء على المسافر.
- ثلاثة أسباب تقف خلف ظاهرة تحويل الضغوط الاقتصادية إلى المستهلكين:
1. ثقافة القبول والرضا لدى المجتمعات المستهلكة.
2. غياب الدور الحقيقي لهيئات ولجان حماية المستهلك.
3. ظاهرة احتكار المنتج أو الخدمة معززة بتحالفات التجار من أجل إبقاء الأسعار مرتفعة ولمواجهة أي احتمال لردود أفعال المستهلكين.
خلاصة القول: إن أحد الأساليب التي تمارسها الشعوب الحية الحريصة على حماية حقوقها ومصالحها أسلوب المقاطعة. وهو، لا شك، أسلوب مؤثر وسريع الفعالية أيضاً.
إذا نجح المستهلكون في مجتمعاتنا في امتحان مقاطعة تحديد المقاعد على متن طائرة، فإنهم على الطريق الصحيح لمقاطعة المنتجات المضرة بالصحة.
إذا نجحنا في الضغط على الشركات التي تستغل طيبتنا، فنحن قادرون على تطبيق النموذج على مقاطعة دول قد تسعى للإضرار بأوطاننا واقتصاداتنا.