الشعائر الحسينية دعوة إلى التأمل

اقرأ للكاتب أيضاً

لو طالعنا كتب الحديث المعتمدة لرأينا كماً هائلاً من الروايات الصادرة عن أهل بيت العصمة في مجمل شؤون الإمام الحسين   فبعض متواتر وبعض صحيح وبعض حسن وبعض ... وبعض ..

 وإن هذه الروايات بالمئات ، ولو قمنا بعملية جمع الروايات إلى طوائف بحيث تكون كل طائفة تختص بشأن من شؤونه لكان هذا الأمر بحاجة إلى جهد ووقت كبيرين ..

ومن هذه ( الشؤون ) تندرج ( الشعائر الحسينية ) أو ( الخصائص الحسينية ) أو غيرها من التسميات . وفيما يختص بهذا العنوان ( الشعائر ) فيما بين يدي وأنا  أكتب هذه الأسطر مئات الروايات التي تحكي عن بعض الشعائر الحسينية المنصوصة والتي من خلالها أفتى فقهاءنا ( رضوان الله عليهم ) باستحباب ورجحان إحياء تلك الشعائر .

ومن هذه الشعائر على سبيل المثال : البكاء ، التباكي ، الندب ، الجزع ، الزيارة عن قرب ، الزيارة عن بعد ، لعن قاتليه بعد شرب الماء ، لعن قاتليه مطلقاً ، جعل الأيام العشرة من المحرم أيام حزن ، جعل اليوم العاشر يوم مصيبة وحزن ، الدعاء عند ذكر الحسين ، تربة الإمام الحسين ، حرم الإمام الحسين ، إنشاد الشعر ، إنشاء الشعر ... إلخ .

وكل هذه الشعائر المذكورة وردت في حقها روايات كثيرة ونصوص معتمدة اتكأ عليها الفقهاء بإصدار الفتاوى في استحباب هذه الشعائر .

بيد أن الموضوع – فيما يبدوا – لم يُشبع بحثاً وتحقيقاً وتأملاً ، فكل هذه العناوين المذكورة أنفاً بحاجة ماسة إلى التعرف على معانيها وحدودها وشروطها ومصاديقها وغيرها من القضايا المرتبطة بهذه الشعيرة أو تلك ، فمثلاً لو أخذنا شعيرة ( تربة الإمام الحسين ) فهذه بحاجة إلى : تعريف ، معرفة الحدود ، الشروط ، المصاديق ، الأثار التشريعية ، واستقصاء الأحكام الفقهية المتعلقة بها كالأكل والتسبيح والوضع في القبر ... ، وكذلك الأثر التكويني لها ..... والقيام بمشروع علمي كبير لتقصي كلمات المعصومين في هذه الشعيرة وتحليلها ومعرفة المراد منها وتدوينها ونشرها ووو ..

فإن شعيرة واحدة – في ظني – بحاجة إلى مشروع حقيقي متكامل ، ولكي نجعل الدعوة إلى التأمل واضحة وعملية نذكر مثالاً نطرح من خلاله بعضاً فيما يتعلق – مثلاً – بشعيرة ( حرم الإمام الحسين ) :

 b نقوم بعدة عمليات :

الأولى : جمع الروايات والنصوص الواردة في تحديد حرم الإمام الحسين ويكون ذلك في نقاط : ( عددها ، مداليلها ، اختلافاتها ، مصادرها ، صحيحها من عدمه ، التعرف على أقوال الفقهاء فيها ، تحليلها .... ) وهذه الروايات موجودة في الوسائل المجلد(10) والمستدرك المجلد ( 10) والبحار في المجلد ( 98) ، وفي المصباح ، والكامل ، وو ...

الثانية : نقوم بعملية التعرف على بعض الأمور المرتبطة بهذه الشعيرة : أمثال :

الوصف ، الإقامة ، المبيت ، الاستشفاء ، الدعاء ، السجود ، التسبيح ، الإفطار ، التحنك ، الحائر ، ووو ... إلخ . علماً بأن كل هذه الأمور وردت بشأنها روايات متعددة وكثيرة جداً ،

ولو أخذنا على سبيل المثال ( الوصف ) كأمر متعلق بشعيرة ( حرم الإمام الحسين عليه السلام ) من عشرات الأمور المتعلقة بهذه الشعيرة : نقول :

وردت عدة روايات تصف حرم الإمام الحسين   بكونه ( مباركة ومقدسة ) منها كما ورد في الوسائل المجلد العاشر : عن الإمام الباقر : ( خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدسها وبارك عليها فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك ، وجعلها الله أفضل الأرض في الجنة ) فهذه الرواية من عشرات الروايات بهذا الشأن ( الوصف ) بحاجة إلى تفكيك معانيها ومعرفة سعة وحدود الألفاظ ، للتوصل إلى المراد ، ...إلخ ، ويظهر : إذا كان هذا كله فيما يتعلق بجزء واحد من جملة أجزاء من شعيرة واحدة من عشرات الشعائر .. ألا يدعونا ذلك إلى عمل مشروع بهذا الشأن يفتح أمامنا أفقاً أرحب نجول في بساتينه المعرفية وبحوره الولائية في سبيل إحياءً لأمرهم !! 

وإذا كان ذلك في جزءٍ – يبدوا بسيطاً – فيما يتعلق بالحسين ، فكيف يكون الأمر إذاً لو أردنا التعرف على كل ومجمل حياة الإمام الحسين ، بتفاصيلها وجزءياتها منذ كان قبل الخلق وإلى يومنا هذا ، أليس هذا بحاجة إلى فتح مركز باسم ( مركز أو مجمع الدراسات الحسينية ) تفتح أمام الكتاب ، والعلماء ، والأدباء ، والشعراء ، والخطباء ، وغيرهم أبواباً لسدِ ولو جزءٍ بسيطٍ من الهوة التي بيننا وبين الحسين عليه السلام من الناحية المعرفية والولائية والحب والبذل التي نحن من تسبب في وجودها ، ولا نزال نوسع تلك الفجوة بتقصيرنا نحو ساداتنا عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه ، فإن من أهم الواجبات علينا ( الشرعية ، أو الأخلاقية ، أو غيرها ) أن نتعرف على الحسين والتزود من الحسين وأحاديث الحسين ومكانة وعظمة الحسين .. فما أدرنا ما الحسين وفي الختام نورد رواية لها علاقة بـشعيرة ( حرم الإمام  )  وشعيرة ( اللعن ) علنا نوفق في التزود منها والتأمل فيها : ( روي أن نوحاً لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا فلما مرت بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق فدعا ربه وقال : إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض . فنزل جبرائيل وقال : يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء . وابن خاتم الأوصياء . فقال : ومن القاتل له يا جبرائيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضيين ، فلعنه نوح أربع مرات فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه .

فنسأل الله سبحانه أن بلغنا شرف حب الحسين ومعرفة الحسين وأن تستقر أنفسنا بذلك إنه سميع مجيب الدعاء .

 

كاتب ومؤلف ( السعودية )