مظاهر العيد في التصور الديني..

 
«دخل رجل على علي بن أبي طالب يوم عيد، فوجده يأكل خبزاً خشناً، فقال: يا أمير المؤمنين، يوم العيد تأكل خبزاً خشناً؟!، فقال: (اليوم عيد مَن قُبِلَ صومُه، وشُكِرَ سعيُه، وغُفِرَ ذنبُه)، ثم قال : (اليوم لنا عيد، وكلّ يوم لا نعصي الله تعالى فهو عيد) «(1). 
 
للعيد ـ في المنظور الإسلامي ـ ثلاثة مظاهر وتجليات، هي: 
 
1- المظاهر المادية: 

فقد اهتم الدين بالمظاهر المادية للعيد من دعوة للنظافة والأناقة، وحثّ على الغسل، ولبس الجديد من الثياب، والتطيّب: 

وفي الرواية عن الإمام أبي جعفر الباقر ـ عليه السلام ـ في قوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ(2) ، قال: "أي خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والأعياد"(3). 
 
2- المظاهر المعنوية: 

ولم تقف نظرة الدين للعيد عند الحدّ المادي، بل أعطاه أبعاداً ومظاهر وتجلّيات معنوية، فهو يوم حصاد لمن زرع الشهر الفضيل بأشجار الصيام والقيام والدعاء والعبادة والعمل الصالح. 

يقول أمير المؤمنين مبرزاً المظهر المعنوي للعيد: «اليوم عيد مَن قُبل صومه، وشُكر سعيه، وغُفر ذنبه«. 

و«نظر الحسن بن علي ـ عليه السلام ـ إلى أناس في يوم فطر يلعبون ويضحكون، فقال لأصحابه والتفت إليهم: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه، فسبق فيه قومٌ ففازوا، وتخلّف آخرون فخابوا، فالعجب كلّ العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون، ويخيب فيه المقصِّرون، وأيم الله لو كُشِفَ الغطاء لشُغل محسن بإحسانه، ومسيء بإساءته« (4). 

ولذلك نقول: «ليس العيد لمن لبس الجديد، إنّما العيد لمن أمن الوعيد«. 

وكم ألهمت الأدعية الإنسان أن يخلص لله في التوبة، ويلحّ على الله في قبولها، وفكاك رقبته من النار، وكتابة اسمه في السعداء. 
 
3- المظاهر الاجتماعية. 

وإضافة إلى البعدين: المادي والمعنوي أسبغ الدين على العيد حلة اجتماعية بهيجة، دعا الآخذين بقيمه فيها إلى إظهار السرور ونشره، والتواصل الاجتماعي، وزيارة الأرحام، وزيارة الموتى في المقابر. 

يقول الإمام الصادق مبرزاً المظهر الاجتماعي للعيد، في الدعاء الذي نكرّره تسع مرات على الأقلّ في قنوتات صلاة العيد: "أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ذخراً ومزيداً"(5). 

فهو يوم عيد لجميع المسلمين، وتظهر فيه آثار البهجة والسعادة عليهم. 
 

  • وقفة : 

ونحن ـ غالباً ـ نركز على المظاهر المادية، فنلبس الجديد الفاخر، ونتضوع بالعطر الشذي، وننتشي بأكل ما لذّ وطاب، وبقدر أقلّ منه نركز على المظاهر الاجتماعية كإسعاد الأطفال بمبالغ مالية وأخذهم إلى أماكن الترفيه واللعب، أما المظاهر المعنوية فلا تكاد تحظى إلا باهتمام النزر اليسير من الناس!! 
 
لسنا ضد المظاهر المادية للعيد، لكنّنا نتمنى أن نطورّ فهمنا وتصورنا للعيد، ونحلّ في نفوسنا مظاهره المعنوية والاجتماعية!! 
 
ليتنا نتخذ من العيد محطة نقيّم فيها نفوسنا وأعمالنا وسلوكياتنا وأخلاقنا؛ لنطور ذواتنا، ونزيد إيجابياتنا، ونردم سلبياتنا، ونتصل بحبل الله المتين. 
 
ليتنا نتخذ من العيد محطة للتواصل الاجتماعي، والعطاء الإنساني؛ فلدينا أقارب لم نرَهم ـ ربّما ـ من سنين طوال، ولدينا جياع ومرضى ويتامى وثكالى ومسجونون، و....، ويحتاجون إلى نظرة شفيفة، ومسحة حنان، وبلسم جراح، وكلمة رقيقة، وبعضهم يحتاج إلى قرص خبز وجرعة ماء!! 
 
إنّ الوردة الفيحاء لا تنتشي وحدها بعطرها، بل تضوّع بعطرها الأرجاء، فلندخل الفرحة على الآخرين، ولننشر عليهم رداء المحبة والسعادة. 

(1) السيّد المرعشي النجفي، شرح إحقاق الحقّ 17/ 594.
وقريب منه في: وسائل الشيعة 11/ 244، الباب 41 (باب وجوب اجتناب المعاصي)، ح 12.
(2) سورة الأعراف، الآية 31.
(3) وسائل الشيعة 4/ 455، ح 5.
(4) من لا يحضره الفقيه 1/ 511، باب كراهة الاشتغال بالأمور الدنية واللهو، ح 1479.
(5) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1/ 513، باب (كيفية صلاة العيد وقنوتاتها وأذكار القنوت، ح 1481.
ـ الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 3/ 133، باب (صلاة العيدين)، ح 22.
ـ الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 7/ 468، باب (استحباب الدعاء بين التكبيرات في صلاة العيد بالمأثور وغيره)، ح 3.