هل بكى الإمام الحسين على أعدائه؟

اقرأ للكاتب أيضاً

السؤال:  يتساءل البعض عن الحكمة التي من أجلها بكى الإمام الحسين على أعدائه، ونرى أن بعض الكتّاب يسوق الحادثة للدلالة على أن الإمام لم يدع على أعدائه ولم يصفهم بسوء بل أنه أشفق عليهم وبكى من أجلهم، فكيف نفهم الحادثة في سياق الحرب والعداء؟

نجيب على هذا التساؤل باختصار، وينبغي أن يكون البحث في ثلاثة مسارات:

  • الأول: هل للواقعة ثبوت تاريخي؟

الحادثة التي تقول أن السيدة زينب رأت الإمام الحسين يبكي، ولما سألته عن سبب بكائه قال: أبكي لهؤلاء القوم الذين يدخلون النار بسببي)، لم نجدها في المقاتل الشيعية ولا السنية المعتبرة أو المشهورة، أما الحوادث التي تنقل في تلك المقاتل فهي حادثة ينقلها الإمام زين العابدين عن حوار دار بين السيدة زينب وبين أخيها الإمام الحسين ، عندما سمعت الإمام ينشد (يادهر أفٍ لك من خليل...) وقد ترقرت عيناه الشريفتان بالدموع، لعله لحالها أو لما سيحل بهم بعده، وهذا الحوار خال من سؤالها عن سبب البكاء، إنما كان الحوار حول تصبير السيدة زينب وتهيئتها لما سيحل بهم.


ولكن يمكن النقاش في الحادثة باعتبار احتمالية الصدور، وعلى ذلك ينبغي أن تفهم دلالاتها ضمن قيم الدين وثوابته وسيرة المعصومين .

  • الثاني: دلالة النص نفسه.

العبارة التي تنقل هي (أبكي لهؤلاء القوم الذين يدخلون النار بسببي). وهي تعلل سبب البكاء أي الحالة الخاصة التي أصابت الإمام ، وفي النص دلالة واضحة أن القوم هم من (أهل النار) وهذا توصيف لحالهم حيث أقر بأنهم أشقياء من خلال فعلهم الذي يرتكبونه في مجابهة ومحاربة ابن بنت رسول الله .


وكلمة بسببي، لا تعني أنه المتسبب كما هو معلوم، إنما بيان سبب دخولهم النار وهو أنهم ظلموني.

  • فيكون المعنى أحد وجهين :


الأول: إما أن يكون بكاؤه لأنهم وصلوا لهذا الحال من خلال ظلم سيد شباب أهل الجنة، (كما قال سابقاً بما معناه أنني أكره أن أكون أول من يستحل به بيت الله).


الثاني: وإما أن يكون سبب البكاء هو الحال الذي وصل إليه الإنسان من العدوان والخسران، والحال أنه يتمنّى لكافة البشر الهداية، إلا أنهم خسروها. كما كان جده رسول الله ، في قول الله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ. وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ.

الثالث: الدلالات الموضوعية

في فهم النص المرتبط بحدث معين، لابد من دراسة الحدث بشكل موضوعي لكي تتكشف لنا دلالات النص الحقيقية والواقعية، وعندما يبتر النص من سياقاته التاريخية والموضوعية، فإنه قد يفهم بشكل خاطئ، ولذلك نضع بعض النقاط عبارة عن إشارات للفهم الموضوعي:


1- وقت المقولة غير معلوم تحديداً، ولكن بحسب من ينقلها لا يفارقها عن (يوم العاشر عند وداع الإمام) وبين (يوم العاشر قبيل مقتل الإمام).

2- قبل هذا الوقت كانت للإمام خطب وكلمات وتوصيفات موجهة للقوم، والكثير منها إما دعاء عليهم وإما توصيف حالهم السيء، وهي كثيرة جداً وتحتاج بنفسها إلى دراسة وتحليل، ومنها مثلاً (ويحكم ياشيعة الشيطان..) و(اللهم فاحصهم عدداً واقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ولا تغفر لهم أبداً)، (يا أمة السوء بئسما خلفتم محمداً في عترته) (يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم ثم يصب عليكم العذاب الأليم) (اللهم فامنعهم بركات الأرض وإن منعتهم ففرقهم تفريقاً).. إلى آخره.

3- فبعض عندما اقتطع الحدث (مع فرض حدوثه) عن سياقه، فَهَمَ أن الإمام الحسين أشفق عليهم بأن لم يلعنهم ولم يوصفهم بسوء ولم يدع عليهم.. وهذا فهم خاطئ ومغاير للواقع ومغاير لتعاليم الدين، فإن الإمام الحسين يشفق عليهم باعتبار مكانته الرسالية التي يتمنى لهم الهداية، ومن مظاهر الإشفاق أنه خطب فيهم كثيراً وألقى الحجة عليهم لكي يختاروا الطريق الصحيح.

ومن يفهم أن بكاء الإمام هو دليل على عدم جواز توصيف حالهم فإما أن يحذف التاريخ الثابت، وإما أن يؤمن بأنه لا يصح أبداً توصيف أحد بشيء مهما بلغ من ظلم وضلال، وهذا مناقض لتعاليم الدين.

4- الإشفاق وتمني الهداية لا يعني ميوعة الموقف، فتوصيف حقيقتهم التي اختاروها لابد منها، لكي يعلموا أي موقف وقفوه وأي جرم اقترفوه، وهذا لا يمنع من يريد الهداية أن يهتدي، بل قد يهز وجدانه ويجعله يعيد التفكير ليرى أنه من الأمة الملعونة فيعيد التموضع (كما فعل الحر الرياحي) الذي أسمعه الإمام الكلمات التي لا يتمناها، ولكن لم يمنعه ذلك من التوبة، بل أن توبته سبقتها توصيفات لحال الجيش من الإمام وقد كان الحر في الطرف الآخر. وكذا كما أخبر الإمام علي في صفين أن الجيش المقابل هم الفئة الباغية بنص رسول الله ، ولم يمنع ذلك من رجوع الكثير منهم عن موقفهم. فمن رجع انتفت عنه الصفة ودخل ضمن الأخيار.