عن الدهشة والمتعة واللذة (2)

محمد الحميدي *

(11)

الدهشة: صدمة انفعالية، يمارسها عقل المتلقي حيث يبدأ بطرح استجابته التي تكون على شاكلة الإعجاب والتصفيق والإشادة أو التفاعل بالتساؤل والغوص بحثا عن الخبايا والأسرار

هنا يختلف القراء فلكل قارئ نصيب منها، ومن الصعب اشتراكهم جميعا في لحظة الاندهاش وبنفس الدرجة.


(12)

إذا كانت الدهشة ناتجة عن المتعة القرائية بالنسبة إلى المتلقي، فماذا عن الكاتب هل له نصيب من هذه المتعة؟

بالتأكيد وهي تأتي من:
1- الفكرة وإنجازها كنص
2- من المتلقي وتفاعله

(13)

الانتهاء من الكتابة يولد شعورا جميلا ويخفف العبء عن كاهل الكاتب وهذه أولى علامات المتعة التي ستقوده إلى اللذة مع إعادة القراءة من قبل المتلقي، ومن ثم حينما يتفاعل هذا المتلقي ستزداد المتعة.

(14)

الكاتب والمتلقي كلاهما سيبلغ حالة من المتعة القرائية وهي درجات متفاوتة ولا يمكن رصدها بدقة لأن غالبيتها جمالية وتنتمي إلى معايير خارج الفن

اللحظة الأهم والفارقة لأي نص هي بلوغ القارئ مرحلة الدهشة
كما جاءت لدى صاحب أبي تمام ولا زالت تتكرر في زماننا ولعلها تسمى الغموض الآن.


(15)

هل الغموض هو الدهشة نفسها؟

يظن الكثيرون ذلك وخصوصا الكتاب ولهذا تراهم يخلطون بين الدهشة والغموض ويعتبرون المصطلحين شيئا واحدا وهو خطأ

الغموض عملية عقلية الهدف منها إضفاء هالة من عدم الوضوح حول تفصيل ما، بينما الدهشة تعني الكشف عن هذا الغموض.

(16)

الغموض:

أ) قد يقصد لذاته مما يضفي جمالا على النص الإبداعي

ب) قد ينتج عن سوء اختيار المفردة مما يسبب إرباكا للمتلقي وإرباكا للنص.
هنا يشترك الجيل الصاعد ويقع في الخطأ دون أن يشعر، حيث لا يفرق بين الاستخدام الواعي والاستخدام العشوائي؛ فترتبك التصوص وتتناقض المعاني والأفكار.

(17)

الدهشة تتعلق بأمرين:
1) عقلي
2) لغوي

عقليا لدينا عبارات ومقولات جاهزة فقدت إدهاشها ورونقها فيأتي كاتب إلى إحداها ويستخدمها استخداما مختلفا وعصريا يتوافق مع المعنى الذي يريد،
كما ورد في آية (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) طلع النخلة معروف والرؤوس معروفة أما الشياطين لا أحد رآها.

(18)

التراث يميل لتشبيه الطلع بشيء قريب ومناسب ولو فعل القرآن ذلك لانتفت الدهشة من الآية
ولو سأل سائل كيف عرفت أن هنا دهشة؟
سنجيب بأن السائل هو الذي دلنا حيث تفاعل معها حين شعر بالصدمة
فهي صدمة انفعالية حادة وتزداد كلما توغلنا أكثر في التفاصيل

(19)

أما لغويا فيظهر على الكلمة والتركيب، حيث تأتي متراصة ومتراكبة بعضها بجوار بعض دون علامة دالة على الالتقاء في المعنى بينما الحقيقة عكس ذلك،الكاتب البارع يوحد بين الكلمات ويؤالف بينها لينتج نصا غير معهود بالنسبة للمتلقي الذي سيشعر بالصدمة الانفعالية حين يقرأ وقد لا يستوعب


(20)

لدينا من هذا النوع كثير جدا اليوم حيث ينتشر كالنار في الهشيم على صفحات السوشل ميديا وفي الكتابات المطبوعة وربما امتازت قصيدة النثر بها أكثر من غيرها من الكتابات بسبب إيجازها وسرعتها
وحاليا باتت القصة القصيرة جدا تحاول اللحاق بها ومنافستها.

(21)

النتيجة التي نخلص إليها:

المتعة حاضرة لدى الكاتب حين الانتهاء من النص ولكنها لا تتطور وتتحول إلى دهشة تامة إلا إذا انفصل عنه وأصبح يراه بعين المتلقي
حينذاك سيكتشفها وستصبح نظرته مختلفة وسيزداد إعجابه ويتلذذ بالقراءة كما تلذذ القراء الآخرون

(22)

الدهشة ناتجة عن أحد أمرين
الأول: العقلي المجاوز للثوابت حيث يستخدمها للوصول إلى العقل الباطن للمتلقي.
الثاني: اللغوي حيث الكتابة بألفاظ غريبة وغير مألوفة أو وفق تراكيب غير معهودة مما يسبب صدمة القراءة وتفاعلا من القارئ.


(23)

الكتاب الذين يعتقدون أن الغموض هو الإدهاش!
هم على خطأ ولا يدركون حقيقة الكتابة، فالإدهاش لا يعني الغموض، إنما يعني الكشف المسبب لصدمة انفعالية، على إثرها يبدي القارئ رأيه ويتفاعل ويسأل وقد ينال الجواب، ولو بعد عناء

أما الغموض فشيء آخر ولا يكشف شيئا بل يصدم فقط.