الظهور المقدّس بين عقيدتين

الشيخ قاسم أزبيل

 

ما الذي يحدوك لاتخاذ سلوكا معينا، أو يدفعك لتتبنى موقفا، أو يلزمك لاختيار منهجا؟ إنها الثقافة.

فكيفما تشكلت ثقافتك ترى الأشياء من حولك وتتعامل معاها؛ فالفارق بين الانسان السلبي والإيجابي هي الثقافة؛ فالأول تنبع ثقافته من عقيدته  بعدم الإيمان بالله واليوم الآخر وأن النهاية هي الموت فيرى كل شيء  من حوله غامت لا يرى إيجابياته فتراه قد ينهي حياته بالانتحار، والآخر تنبع ثقافته من إيمانه بالله واليوم الآخر وأن الله قد أعطاه فرصة الحياة بعد أن كان عدما فمنّ الله عليه بأعظم منّة، فهو في حياته شاكرا له سبحانه، ذاكرا لنعمه التي منّ بها عليه، مستشعرا لرحمته ورأفته به، لذا تراه مطمئنة نفسه، إيجابية نظرته.

  • بين عقيدتين:

وبعد معرفتنا بهذا الأثر للعقيدة؛ الرافد الأقوى للثقافة وبالتالي للسلوك نتساءل؛ هل الاعتقاد بالظهور هو البقاء على التل من بعيد وقراءة روايات علامات الظهور، ومن ثم تكلّف تطبيقها على مجريات الأحداث، إن مثل هذه العقيدة تنشأ عنها ثقافة الانتظار المغلوط التي تجعل من المنتظِر ليس له أي دور في التمهيد؛ فهو يعتقد إن تعاقب الأزمان هو  الكفيل بإظهار الإمام، فالقيام بدور التمهيد ما هو إلا عبث!.

أما من كانت عقيدته بالظهور متأسسة على روايات أهل البيت ع والتي فحواها أن للمؤمن دور مهم وركن وثيق للظهور فثقافته مختلفة  تماما -كما سيتضح-.

ومن تلك الروايات التي نجد فيها أن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المؤمن حتى يمكن للإمام(عج) الظهور ، ما ورد عن أبي عبدالله في قول الله عزوجل « أتى أمر الله فلا تستعجلوه » قال : هو أمرنا أمر الله لايُستعجَل به يؤيده ثلاثة أجناد : 
الملائكة ، والمؤمنون ، والرعب.
وخروجه[القائم (عج)] كخروج رسول الله وذلك قوله عز وجل « كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون »"(١)

فالملائكة بالنسبة للظهور السبب الغيبي، والمؤمنون هم سبب تكويني محسوس للظهور؛ فـ"عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شئ سببا..." (٢)

فالظهور وإن كان أمرا غيبيا يأتي بإذن الله عز وجل إلا أنه في ذات الوقت غير خارج عن مسؤولية المؤمنين في تهيئة الأمر للإمام (عج)؛ هذا ما نفهمه من سنة الله في الحياة؛ ( إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ) (٣)، فالتغيير والتأييد يأتي من الله بعد أن يرى التغيير عند المؤمنين، وهكذا هو الأمر بالنسبة للظهور؛ ولذلك ورد عن الإمام الحجة (عج): "ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم، السعادة بمشاهدتنا" (٤) 

  • الإعداد للظهور:

المؤمنون مسؤولون عن الإعداد لظهوره (عج)، والإعداد ليس من جانب واحد بل من عدة جوانب، وفيما يلي نذكر أهمها:

  •  الإعداد التربوي:

التجمع الإيماني المخلص بمؤسساته الدينية المختلفة إن لم نقل الأمة الإسلامية بأكملها هي مسؤولة في تخريج قادة قدوة في سيرتهم، قمة في أخلاقهم، يمكن للإمام(عج) أن يعتمد عليهم في مشروع قيادة العالم بالنهج الذي يراه وفق قيم ومبادئ رسالة السماء؛ ورد عن أبي جعفر الباقر : "أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، قال: هم والله الأمة المعدودة التي قال الله في كتاب: (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) 
قال: يجمعون في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف" (٥)

وأما عن صفتهم فيبينها لنا الإمام الصادق : «أَمَا لَوْ كَمُلَتِ الْعِدَّةُ الْمَوْصُوفَةُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ كَانَ الَّذِي تُرِيدُونَ وَلَكِنْ شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ وَلَا شَحْنَاؤُهُ بَدَنَهُ‌ وَلَا يَمْدَحُ بِنَا مُعْلِناً وَلَا يُخَاصِمُ بِنَا قَالِياً  وَلَا يُجَالِسُ لَنَا عَائِباً وَلَا يُحْدِثُ لَنَا ثَالِباً وَلَا يُحِبُّ لَنَا مُبْغِضاً وَلَا يُبْغِضُ لَنَا مُحِبّاً... إِنَّمَا شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَهِرُّ هَرِيرَ الْكَلْبِ وَ لَا يَطْمَعُ طَمَعَ الْغُرَابِ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ بِكَفِّهِ وَإِنْ مَاتَ جُوعاً قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيْنَ أَطْلُبُ هَؤُلَاءِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟ 

فَقَالَ: اطْلُبْهُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ أُولَئِكَ الْخَفِيضُ عَيْشُهُمُ‌  الْمُنْتَقِلَةُ دَارُهُمْ الَّذِينَ إِنْ شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا وَإِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا-وَإِنْ خَطَبُوا لَمْ يُزَوَّجُوا وَإِنْ مَاتُوا لَمْ يُشْهَدُوا أُولَئِكَ الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ يَتَوَاسَوْنَ وَفِي قُبُورِهِمْ يَتَزَاوَرُونَ وَ لَا تَخْتَلِفُ أَهْوَاؤُهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِمُ الْبُلْدَانُ‌» (٦)

فعلى ضوء هذه الصفات يكون الإعداد التربوي.

  •  الإعداد الإعلامي:

في ظل ما نتعايش معه من اعلام للدول المستكبرة في تلبيس الحق بالباطل؛ لدرجة يصف أحد كبار الحقوقين الإعلام قائلا: « إن لم تكن حذرا بإمكان وسائل الإعلام أن تجعلك تكره المظلومين وتحب الظالمين»، في ظل هذا الحال الإعلامي الإمام(عج) يريد أن يحق الحق ويحققه فلابد أن تكون له قاعدة إعلامية قوية.

ومن قراءتنا لبعض الروايات في أول ظهوره(عج) نرى أنها تصف حال العالم أنه ضد حركة الإمام فلابد أن سلاطين الجور سيبادرون بالهجوم إعلاميا ضده فينسبونه إلى الإرهاب والدمار والفوضى محافظين في ذلك على حكمهم؛ هكذا ينقل عن الإمام الصادق : « لا يخرج القائم حتى يكون تكملة الحلقة قلت و كم تكملة الحلقة قال عشرة آلاف جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها و هي راية رسول الله نزل بها جبرئيل يوم بدرثم قال يا أبا محمد ما هي والله قطن و لا كتان ولا قز ولا حرير قلت فمن أي شي‏ء هي قال من ورق الجنة نشرها رسول الله يوم بدرثم لفها و دفعها إلى علي فلم تزل عند علي حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أميرالمؤمنين ففتح الله عليه ثم لفها وهي عندنا هناك لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم فإذا هو قام نشرها فلم يبق أحد في المشرق و المغرب إلا لعنها ويسير الرعب قدامها شهرا، وورائها شهرا، وعن يمينها شهرا، وعن يسارها شهرا...» (٧)

وتعبير الإمام باللعن من المشرق والمغرب على راية الحق يلمح لنا الأجواء التي ملؤها السخط والحقد على راية الحق وصاحبها، فلا ريب أن ذلك مصحوب بالحرب الإعلامية إن لم يكن نفسه اللعن هو الحرب الإعلامية، فإذا اعلنت تلك الدول الكبرى ومؤسسات حقوق الانسان المتزلّفة البراءة واللعن على الإمام(عج) وحركته -والعياذ بالله- فإنها تكون حرب إعلامية تشويهية لحركة الإمام(عج)، لذا لابد من تمهيد إعلامي تكون قاعدة لحركته(عج) حفاظا عليها وشجب لتلك الأصوات المتعالية بالكذب والزور.

ختاما انظر أخي القارئ الفارق الكبير بين العقيدتين في أثرهما على الظهور فلا ترضى لنفسك إلا بالعقيدة الحقة، فتكون لك إن شاء الله بادرة للسعي نحو الإعداد للظهور، والتطلع لدور ريادي في التمهيد وتعجيل الظهور.

(١) بحار الأنوار ج٥٢ ص٣٥٦

(٢) الكافي ج١ ص١٨٣

(٣) سورة الرعد ﴿١١

(٤) بحار الأنوار ج٥٣ ص١٧٧

(٥) تفسير العياشي ج٢ ص٥٧

(٦) الغيبة للنعماني ص٢٠٣

(٧) الغيبة للنعماني ص٣١٨