نتيجة ... سبعون سنة من الاضطهاد العلماني

شبكة مزن الثقافية السّيد مُحسِن المُدَرسي
سماحة السيد محسن المدرسي
سماحة السيد محسن المدرسي

قبل سنين عديدة، زرتُ جمهورية آذربايجان، ومررتُ في عاصمتها "باكو" بمقامٍ يُنسب الى بنتٍ للإمام الكاظم المُسماة بالسيدة حكيمة. 

مما لفت انتباهي حينها، حال زائرات المقام.

فمما هو معروف و معلوم، ان هذا البلد النفطي يقطنه الشيعة الاثني عشرية بأغلبية مطلقة تتجاوز 95% من نسبة سكانه، و لآذربايجان ارثٌ فقهي وعلمي كبير، اذ كانت موطناً لعشرات العلماء والفقهاء، ومدارسها الدينية كانت منتشرة في كربلاء والنجف وسائر الحواضر العلمية الى فترة قريبة.

لكن سبعون سنة من الاضطهاد العلماني – بنسخته الشيوعية- محى كل ما يرتبط بالدين بقوة النار والحديد فلم يبق في ذاكرة الأجيال الجديدة من الدين الا مفاهيماً مبهمة – تحدثتُ عن ذلك في مناسبة ماضية-

ما اريد الحديث عنه هي حال الزائرات لهذا المقام. 

اذ لاحظت قصة متكررة: امرأة سافِرة، بكامل زينتها، تأتي الى هذا المقام، ثم تُخرج من حقيبتها، حجاباً و عباءَةً، فتتحجب عند باب المقام حجاباً كاملاً يستر كامل رأسها وجسدها.. ثم تدخل الى المقام فتصلي لله سبحانه ركعاتٍ وتدعو ربَّها بإخلاص، لكنها حين تخرج، تخرج من حجابها مرة أخرى .. وتتحول الى امرأة سافِرة – والسفور معصيةٌ وفسق- حتى الزيارة القادمة.

موقف عجيب، اذ انَّ الدين وحدة واحدة، يعضد بعضه بعضاً، ويؤدي بعضه الى بعض. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمُنكر، وهي والدعاء و التضرُّع والخشوع مظهر للإيمان ..السفور مظهرٌ من مظاهر الفسق.. فكيف الجمع بينها؟

ولكن زال تعجبي حين رأيتُ محاولة انشاء النسخة العراقية من هذا الدين عندنا.
دينٌ مبني على الأهواء.. يملؤه التناقضات. 
دينٌ انتقائي مصلحي.

دينٌ لا يجد "المُطرب" المتجاهر بفِسقِه، تناقضاً بين عمله – ومصدر رزقه!- وبين أن يكون زائراً للحسين !
و لا تجد "المغنية" بُدّاً بين أن تشجِّع على الرذيلة ، ثم تلبس "الچادر" في شهر رمضانِ لحضور الإفطار!
و لا يجد "الفاسد" السارق لقوت الناس والمتآمر على شعبه .. بُداً بين جرائمه وبين مشاركته في مأدبةٍ خيرية لرعاية الأيتام باسم الإنسانية!
دينٌ يتحول الى "طقسٍ" يمارسه الشخص في كل عامٍ مرَّتين.. ولتكن حياته كما شاء.

نعم..

لا شك ان أبواب الحسين مفتوحة لجميع الناس.. و حرمه مأوى للمُحسن والمسيء.. وحتى الفاسق والفاسد والقاتل مدعو الى زيارة سيد الشهداء.. فالحسين مصباحُ هدى وسفينة نجاة.

لكنه مدعو اليه، ليتوب عنده.. وليقتدي به.. فيترك فِسقَه، و يصلح أمره، ويتوب عن ذنبه.. 
لا أن يزوره كمعلَمٍ سياحي، او مرقده كمسجدٍ تاريخي، ثم يرجع الى حياته وفسقه و كأن شيئاً لم يكن.
ولا أن تكون الزيارة "بديلة" عن تصحيح حاله.. 
ولا أن تكون تلك الزيارة طريقاً لإرواء عطش الروح، او اشباع جوعِ النفس الى المعنى فقط.

هذه النسخة.. "دينُ التناقضات"، ما يُحاول الترويج له .. وبقوة.

فلتُرتكب كل مخالفة ومعصية، بل ليجاهَر بها و يُدعى اليها تحت يافِطات الحُريَّة الزائفة.. ولكن المهم ان يكون "القلب نظيفاً".. والعجب كيف تجتمع نظافة القَلب مع كل هذه الموبقات؟ 

ولو كان يمكن الجمع بينها.. او لو كانت تلك المفاسد لا تُفسد القلب، فِلمَ منعها الله سبحانه اصلاً؟!

والأعجب من ذلك كله، بل الأشد .. أن يضع المرء يده في يد سلاطين الجور، وعبدة المال.. تأويلات آياتِ فرعون وهامان وقارون.. ويبايِع اشياعَهم و اتباعهم، ثم يُقنع نفسه بطقسٍ عبادي!

دينٌ مشوَّه، تكون نهايته – مثل ما نجد الترويج له عند البلدان العلمانية كفرنسا- : امامُ جماعةٍ شاذ او متحوِّل جنسيا، او داعيةُ دينٍ يسانِد ابناء عمِّ العرب – اسر1ئيل- على المجرمين العرب في فلسطين! ثم يذهب الى الاعتكاف في الثلث الاخر من شهر رمضان!

اعوذ بالله تعالى.

أقول: 
الدينُ وحدةٌ واحدة.. لا يمكن حذفِ جانبٍ منه، او تقزيمه ..و كما أن التطرُّف في الدين جريمة كذلك التلاعب به وكأنه عجينة اطفالٍ طرية. ولا يمكن خُداع النفس بقبول بعض الجوانب منه .. فالمهم ليس رضا النفس او الناس، بل رضا الله في تطبيقه.

فلننتبه، أن لا ننخدع - أو نخدع انفسنا- بدينٍ تملؤه التناقضات، يجمع بين الفسق والايمان في يوم واحد!
#افكار