(17)

لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً

أ . بدر الشبيب *

تحصين المجتمع المسلم ضد الشائعات الكاذبة أمر في غاية الأهمية من أجل الحفاظ على وحدته وتماسكه وقوته. وهذا لا يكون إلا من خلال ممارسة أفراده للقواعد التي وضعها الشرع الشريف في هذا الإطار، والتي يمكن أن نسميها بضوابط تلقي الأخبار. 

ولعل الضابطة الأولى في ذلك قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً). فالقفو هو اتباع الأثر، ومنه القيافة، فإن القائف يتبع الآثار، والمقصود به هنا النهي عن اتباع ما ليس للإنسان به علم أو دليل علمي، وعدم ترتيب أي أثر عليه، كما قال تعالى: (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) وقوله: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) وقوله: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ)، مع تأكيد الآية على مسؤولية الإنسان عما يتلقاه بسمعه وبصره وفؤاده.

يضاف لذلك الأمر باجتناب الظنون السيئة التي تغلب عادة على الظنون الحسنة، كما قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).

أما الآية التي نحن بصددها: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) فإنها تضع ضوابط أخرى ينبغي الالتزام بها في المجتمع المؤمن عند تلقي الشائعات:

أولها: ظنُّ الخير بالآخرين من المؤمنين والمؤمنات فور تلقي الشائعة التي تقدح فيهم. وهذا مستفاد من قوله: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً). فالآية في مقام التوبيخ لمن لا يفعل ذلك، وقد قدّم الظرف (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) على عامله، وهو الفعل (ظَنَّ) للتنبيه على الأخذ بأحسن الظنّ فور تلقي الخبر. أما قوله: (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ) ولم يقل: (ظننتم بأنفسكم) فللتنبيه على أن ظنَّ الخير من لوازم الإيمان، وأن المؤمن لا يظن بأخيه إلا خيرا. وقوله: (بِأَنْفُسِهِمْ): للدلالة على أن المجتمع المؤمن نفس واحدة، كما قال تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ). قال في مجمع البيان: "أي لا يطعن بعضكم على بعض كما قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) لأن المؤمنين كنفس واحدة فكأنه إذا قتل أخاه قتل نفسه".

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام