(22)

الوصفة الشافية الكافية

أ . بدر الشبيب *

أكد القرآن الكريم في كثير من آياته على ضرورة التحلي بملَكة الصبر وأثنى على الصابرين ثناء عظيما، ووعدهم الأجر الكبير من عند الله تعالى، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ . أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) وقال: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) وقال: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً) وقال: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).

والآيات في ذلك كثيرة جدا.
كما أكد في الوقت نفسه على التحلي بالتقوى التي جعلها معيار التفاضل بين عباد الله، فقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ). وبيّن في العديد من آثار التقوى وعواقبها المحمودة؛ فقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) وقال: (وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) وقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وقال: (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

 أما في آيات أخرى فقد جمع هذين الأمرين الهامين (الصبر والتقوى) كوصفة ربانية تؤدي مفعولها الأكيد في أصعب المواقف وأحلك الظروف. فهما، أي الصبر والتقوى معا، مفتاح سلامة المؤمنين من مؤامرات الأعداء وكيد الكائدين. يقول تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، إذ الأمر كما قال تعالى: (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ). وقد يرد هنا سؤال عن كيفية الجمع بين قوله: (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) وقوله: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذى)؟.

والجواب، والله أعلم، إن الكلام في الآية الأولى عن الكيد، وهو المحاولات الماكرة للنيل من إيمان المؤمنين، أما في الثانية فالكلام عما يلحق بالمؤمنين من أذى نفسي وجسدي وغيرهما نتيجة أفعال الكافرين. ويمكن تأييد ذلك بقوله تعالى: (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ).

هذا أولا، وثانيا: أنهما (أي الصبر والتقوى معا) تؤهلان صاحبهما للمدد والفيوضات الربانية الخاصة، وفي ذلك كل كفايته. يقول تعالى: (بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).

وثالثا: لأنهما (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يحتاجان – كما قال صاحب تفسير آلاء الرحمن – "إلى حزم وبصيرة وقوة في الإرادة ورسوخ في الفضيلة وثبات في الكمال تؤدي إلى العزم والجزم و العمل"، فهما السبيل للتعامل مع الابتلاءات العظيمة، كما قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

ورابعا: إنهما الطريق لبلوغ مرتبة الإحسان والانضمام لزمرة المحسنين: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). وقد بيّن تعالى ذلك في قوله: (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ).

إن هذا يدعونا للسعي الحثيث لاكتساب هاتين الصفتين العظيمين وترسيخهما في أفعالنا وأقوالنا وذواتنا كي نتخطى المصاعب والشدائد ونكون من الفائزين.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام