(23)

الطيّب شعارنا ودثارنا

أ . بدر الشبيب *

الطيب والخبيث ضدان، قال الأصفهاني في مفرداته: الخُبْثُ والخَبِيثُ: ما يُكره رداءةً وخساسةً، محسوسا كان أو معقولا. وقال المصطفوي في التحقيق عن الطيب: هو ما يكون مطلوبا ليس فيه قذارة ظاهرا ولا باطنا، ويقابله الخبيث وهو ما يكون فيه قذارة ظاهرا أو باطنا وهو مستكره في نفسه.

ثم أضاف: "وهذا المعنى يختلف باختلاف الموضوعات، فالطيب في كلّ شي‏ء بحسبه وبمقتضاه: كالطعام الطيب، وعيش طيب، وزوجة طيبة، وكلام طيب، ومكان طيب، وجنّة طيبة، ونفَس طيب، ورائحة طيبة، ورزق طيب، وشجرة طيبة، وصعيد طيب".

وقد ركز القرآن الكريم في خطاباته الشريفة على فعل الطيب وقول الطيب واجتناب الخبيث من أجل أن يحيى الإنسان حياة طيبة، ويختتم مسيرته طيبا، ويكون في آخرته في مساكن طيبة. فقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وقال: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقال: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

ويمكن الإشارة إلى بعض تلك الخطابات في النقاط التالية:
إن من أولى مهام النبي تحليل الطيبات وتحريم الخبائث: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ). وفي هذا دليل على الأهمية القصوى لهذا الأمر.

الامتنان على المؤمنين بالهداية للقول الطيب الذي مثّل منهاج حياتهم على مستوى الاعتقاد والأفعال والأقوال: يقول تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى‏ صِراطِ الْحَمِيدِ).
الامتنان على الناس بالطيبات من الرزق: يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى‏ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) ويقول: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ).

بيان أن ما يصعد إليه تعالى ويكون محلّ قبوله هو الكلم الطيب، بكل ما تحمل الكلمة من معنى. يقول تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ). وقد ذهب صاحب الميزان إلى أن المراد به " الاعتقادات الحقة التي يسعد الإنسان بالإذعان لها وبناء عمله عليها. والمتيقن منها كلمة التوحيد التي يرجع إليها سائر الاعتقادات الحقة".

الحث على الإنفاق من الطيب واختياره، والنهي عن قصد الخبيث واتخاذه بدلا. يقول تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). ويقول: (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ).

بيان أن سنة الابتلاء هدفها تمييز الخبيث من الطيب. يقول تعالى: (ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
إعطاء الامتياز والأفضلية للطيب على الخبيث. يقول تعالى: (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). ويقول: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) ويقول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ . تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ).

إن هذه الخطابات وغيرها تدعونا إلى اختيار الطيب في كل شأن من شؤون حياتنا، فقد ورد عن النبي : "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا"، وأن نجعل الطيّب حاضرا في سلوكنا دائما وأبدا لنكون يوم القيامة ممن تخاطبهم خزنة الجنة: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ).

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام