آدم البيولوجي

شبكة مزن الثقافية محمد حسن يوسف

فرضيات كثيرة ملأت الفضاء البيولوجي حول نشأة الإنسان وما يُجمِع به السواد الأعظم من علماء البيولوجيا أنه ناتج تطوّر لأحد الرئيسيات القديمة في أفريقيا (الاسترالبثيكوس) قبل أكثر من ثلاثة ملايين عام ثم مر بعدة تطورات بشرية تدعى بالأُنيسات (humanoids) التي شملت الإنسان المنتصب والماهر وإنسان بكين وجاوه ونياندرتل إلى أن ظهر جدُّنا الإنسان العاقل (Homo sapiens) الذي اختُلف في ظهوره ما بين 70.000 إلى 200.000  سنة مضت إما في أفريقيا أو في منطقة الهلال الخصيب ومنها انتشر إلى باقي العالم.

هل أن الأُنيسات كانت سلسلة تطورية لبعضها البعض؟ البيولوجيون يقولون أنه لايوجد دليل. وهل أن الإنسان العاقل تطوّر من آخر تطور في السلسلة (إنسان نياندرتل)؟ البيولوجيون يقولون أيضاً "لايوجد دليل"، بل الأقوى أنه لم يمر بهذه المرحلة. هل الإنسان العاقل انطلق من نقطة جغرافية واحدة أم أنه تطوّر متفرقاً؟ أيضاً لا يوجد دليل، ولو أن فرضية النقطة الجغرافية الواحدة هي الأقرب.

شخصياً لازلت "لا أدرياً" في نشأة الإنسان ولا أرى أن فرضية التطوّر تتعارض مع الإيمان بخلق الله عز وجل للإنسان إذ أن من المستحيل إحصائياً التطور العشوائي للحياة في هذه المدة الزمنية القصيرة نسبياً من عمر الحياة على الأرض التي لاتتعدّى الثلاثة مليارات عام بل ستحتاج إلى أكثر من عمر الكون لإنتاج حياة فما بالك لو كانت حياةً ذكية، لكن من جهة أخرى من الممكن أن يكون التطوّر موجهاً من "مصمّم ذكي" إن صح التعبير.

تبنّي الملحدين لنظرية التطور صبغها بلونهم مع أن داروين نفسه كان مؤمناً بوجود الإله الخالق، وهذه حلقة من عدة حلقاتِ تصادمِ الآيديولوجيا الدينية مع الآيديولوجيا العلمية. ليس كل ما يفترضه العالم الطبيعي هو حقيقة علمية وليس كل ما لم يتمكن من إثباته هو وهم وخرافة، والنص الديني حمّال أوجه فلا يؤخذ بإطلاقه كحقيقة علمية طبيعية فالقرآن الكريم هو كتاب بصيرة وهداية وليس كتاب فيزياء أو بيولوجيا.

يميل بعض علماء الدين -دون ذكر الأسماء- إلى أن آدم عليه السلام هو أبو الأنبياء وليس أبا البشر وهناك بشر سبقوه على الأرض وأن ما ذُكر في القرآن الكريم هي قصص مجازية لنشأة البشر كما أسقط الدكتور علي الوردي قصة هابيل وقابيل على الصراع بين المزارعين والرعاة. لا أقصد الترويج لمثل هذه الآراء ولكن هناك الكثير مما لانستطيع أن نقف عليه وكما اكتشفنا أن الأرض كروية وليست مسطحة وأنها تدور حول الشمس لا العكس فإن ما لانعلمه أكثر بكثير مما نعلم.

يميل الإنسان كمخلوق نرجسي إلى تعزيز مركزية النوع وإنكار انضوائه تحت مسمّى "الحيوان" وله بعض الحق في ذلك لتميّزه عن باقي مملكة الحيوان بقدرته الرهيبة على تجاوز عالم المادة إلى ماورائها أي أنه ليس حيواناً ناطقاً وحسب كما يعرّفه الفلاسفة القدماء وإنما حيوان ميتافيزيقي أيضاً.

قد يتساءل البعض هل أن نظرية التطور تتعارض مع كرامة الإنسان فكيف من كرّمه البارئ عز وجل يلتقي مع الشمبانزي في أحد الأجداد؟، أولاً كرامة الإنسان لاعلاقة لها بالجسم المادي وإنما ما انطوت عليه الروح، وثانياً هل من الكرامة أن يكون أصل الإنسان من التراب الذي يداس بالأقدام؟ نظرة التفوّق هذه هي حجة إبليس عندما رفض السجود لآدم عليه السلام.

الرفض القاطع للمعطيات العلمية بحجة تقديس الدليل (فهم النص الديني) لا تُقدّم وإنما تؤخّر. ما نحتاجه بحق هو سعة أفق لاتضع المنتجات البشرية دائماً في مقابل الدين وأن نعزّز التفكّر والجدال بالحسنى كما أمرنا الله عز وجل لعلّنا ننهض بأنفسنا وأمّتنا.

 محمد حسن يوسف
 12/11/2025