كن مع الصائمين

الأستاذ حسن عرقان شبكة الجواد الإسلامية

 إن للتشريعات الإسلامية التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها هدف وغاية, ومن التشريعات العبادات التي تقرب الإنسان إلى الله عز وجل, لذلك نجد القرآن الكريم يبَّين لنا حينما يأمر الله الناس بالعبادة، أنما تكون للوصول للهدف المنشود وهو التقوى.

 

 قال تعالى:﴿يا أيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. (البقرة / 21).

"والإنسان لا يحصل على السعادة الحقيقية والحياة الطيبة الأبدية إلا بالتقوى, وهي الوسيلة الوحيدة إلى سعادة الدار الآخرة وتتبعها سعادة الدنيا.

 

 قال تعالى: ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم, إن الله عليم خبير (الحجرات / 13)". (1).

 والصوم تشريع سماوي يتوصل الإنسان من خلاله إلى التقوى، علماً بأن الصوم لم يُشرَّع فقط في الدين الإسلامي بل كان قبل ذلك في الأديان السماوية السابقة, وإن اختلفت فيه الشروط والطقوس, كما تبين لنا الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين أمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (البقرة / 183).

 

          كما صام نبي الله موسى عليه السلام أربعين يوماً متتابعاً لما أراد مكالمة ربه عز وجل, وكذلك نبي الله عيسى عليه السلام, وصوم السيدة مريم عليها السلام عن الكلام, ونبي الله زكريا عليه السلام، "﴿كما كتب على الذين من قبلكم أي لا ينبغي لكم أيها المؤمنون أن تستثقلوه وتستوحشوا من تشريعه في حقكم وكتابته عليكم فليس هذا الحكم بمقصور عليكم بل هو حكم مجعول في حق الأمم السابقة عليكم ولستم أنتم متفردين فيه, على أن العمل بهذا الحكم رجاء ما تبتغون وتطلبونه بإيمانكم وهو التقوى التي هي خير زاد لمن آمن بالله واليوم الآخر. " (2).

 

إذاً، من خلال هذه المقدمة نصل إلى نتيجة واحدة وهي الهدف من فلسفة الصيام في الإسلام هي التقوى.

فكيف نحصل على التقوى من خلال الصيام؟!

 

1- يجب علينا أن نعرف معنى الصوم في الإسلام حتى نتمكن من فهمه بالشكل الصحيح.

 

          " فالصوم في اللغة: الإمساك عن الشيء والترك له.

          وشرعاً: هو الامتناع عن المفطرات كالأكل والشرب والجماع........ إلخ. من الفجر إلى غروب الشمس قربةً إلى الله تعالى. " ( 3) .

 

          وتبين لنا مجموعة من الأحاديث الشريفة عن النبي وأهل بيته الطاهرين بعض الأمور التي ينبغي للصائم أن يتجنبها؛ لكي لا يمسَّ صومه بسوء فيبطله, فالصيام ليس فقط عن الأكل والشرب بل يتعدى ذلك.

          قال الإمام علي عليه السلام: "الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب".

          ويقول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "فكم من صائمٍ ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائمٍ ليس له من قيامه إلا العناء".

 

          إن لشهر رمضان والصيام فيه تأثيراً في سلوك الفرد والمجتمع وتهذيب النفوس والقلوب, حيث يعتبر محطةً ينبغي للمؤمن أن يتوقف عندها لكي يتزود منها, ويتقرب إلى الله عز وجل.

          وهذا من فضل الله على خلقه، حيث رُوي فيه من الفضل ما لم يرو في عبادة أخرى، ففي الحديث القدسي قال تعالى: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، والسعيد من شهد هذا الشهر العظيم, والمتأمل للخطبة الشريفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أقبل شهر الله يعرف مكانة هذا الشهر وفضله في الإسلام, حيث يعبِّر الرسول الكريم بأن الذي لا يستفيد من شهر رمضان الكريم يكون من الأشقياء: "فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم".

 

2-معرفة فضل هذا الشهر حتى لا نسقط شيئاً من حقه وبالتالي نضيعه ونجعله كبقية الشهور.

 

          ويكفي هذا الشهر من الفضل حينما نُسِب إلى الله عز وجل, ومن المعلوم أن الشيء حينما ينتسب إلى شيء آخر يحصل على شرف المنتسِب إليه, فعلى سبيل المثل لا الحصر، نَسَبُ الإنسان حينما يكون الشخص منتسباً إلى عائلة محترمة وراقية، فإن ذلك يناله من شرف ومكانة العائلة المنتسِب إليها هذا الإنسان، فما بالك بأن ينتسب الشيء إلى الله عز وجل وهو الرب العظيم، فإن ذلك يكون شرفاً له لا يدانيه أي شرف.  

          " أيها الناس أقبل إليكم شهر الله بالبركة والمغفرة, شهرٌ هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام, ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله" هذا مما جاء في خطبة للنبي محمد .

 

          فعلى الإنسان أن لا يضيِّع هذه الفرصة الثمينة التي تمر عليه مرة واحدة في السنة، وربما لا تتكرر عليه في بقية حياته مرة أخرى. حيث يكون في ضيافة الرب الكريم، حيث يتقرب الله عز وجل إلى عبده المطيع الصادق بقوله وفعله والخالص بالنية. فكل عمل يقوم به يكون لله مهما صَغُر أو كبر، فإن الله يقبله بأحسن القبول, وكل حركة يقوم بها الصائم فهي تحتسب عند الله سبحانه حتى كان نوم الصائم عبادة، وأنفاسه تسبيح وذلك لعظمة هذا الشهر, قال رسول الله : "نوم الصائم عبادة ونَفَسُه تسبيح".

 

          ومن عظمة هذا الشهر الكريم أن فيه ليلةً هي خير من ألف شهر, حيث نزل القرآن فيها، وهي الليلة المباركة ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر, قال تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر, ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر, تنزل الملائكة والروح فيها, بإذن ربهم من كل أمر, سلام هي حتى مطلع الفجر (سورة القدر).

 

          وقال تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يُفرق كل أمر حكيم (الدخان/3).

          وهي ليلة تفيض برحمة الله عز وجل على عباده, فالسعيد من وُفِّق لإحيائها بالعمل الصالح، والعبادة والتوبة والاستغفار.

 

          فإذا عرفنا فضل هذا الشهر العظيم فسوف نتوجّه بكل ما نملك لكي نستفيد من كل لحظةٍ من هذا الشهر حتى نحصل على الغاية منه، وهو الوصول إلى تقوى الله.

          قال رسول الله : "شهر رمضان فرض الله عليكم صيامه فمن صامه إيمانً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

 

3- إن لشهر رمضان والصوم فيه التأثير الكبير على شخصية الإنسان من جميع النواحي البدنية والروحية والاجتماعية.

 

           أ- الناحية البدنية:

          فقد قال رسول الله : "صوموا تصحوا"، حيث يعتبر الطب الصوم مفيداً لتطهير الجسم من الفضلات التي تراكمت في جسم الإنسان، والتي يكون بقاؤها ضاراً للصحة.

          يقول الإمام الصادق عليه السلام: "لكل شيءٍ زكاةٌ وزكاة الأجسام الصيام" (4).

          وينبغي أن نشير هنا إلى نقطة مهمة، وهي أن أكثر الأمراض انتشاراً في العالم يكون سببها التغذية، سواء بالتفريط أو التقصير, حيث الإفراط من الطعام، من دون أي ضوابط، مما يؤدي إلى مشاكل كثيرة، أهمها السمنة التي تجرُّ وراءها الكثير من الأمراض الخطيرة, مثل أمراض القلب والضغط والسكري... والتقصير في الغذاء أي إهمال الغذاء السليم، وعدم تزويد الجسم باحتياجاته الغذائية، سوف يُؤثر على صحة الإنسان وتجعله ضعيفاً لا يقوى على متابعة مسيرة الحياة بالشكل الطبيعي, ومن أهم هذه المشاكل هي مشاكل سوء التغذية.

          والصوم حالة تجعل الإنسان ينظِّم عاداته الغذائية, حيث يلاحظ أنه أعطي أحد عشر شهراً لنفسه الحرية الكاملة في الأكل والشرب من دون مراعاة لنظامٍ معين.

          فالصوم يربّي الإنسان على ضرورة تنظيم وجباته؛ حتى لا تحدث المشاكل التي لا يحمد عقباها.

 

          ب- الناحية الاقتصادية:

          ومن فوائد الصوم أنه يربي الإنسان على عدم الإسراف في الأكل والشرب, ولكن وللأسف الشديد، نلاحظ العكس في هذا الشهر المبارك, حيث يستعد كل الناس إلى التفنُّن في إعداد الوجبات, وتجهيز أكبر قدر ممكن من الطعام على المائدة, وكأن هذا الشهر وُجد فقط لتظهر لنا أصناف مختلفة من الطعام, وهذا ما نلاحظه في استقبال هذا الشهر الكريم، فالأسواق الغذائية تزدحم بالمتسوقين لكي تحظى بأفضل وأكبر قدر من المواد الغذائية, وكأن هذا الشهر شهر الطعام والوجبات اللذيذة, ولكن يبقى أمرٌ مهمٌ، وهو أن هذا الشهر هو للعبادة وإعداد الوجبات لكي تساعد الصائم على متابعة صومه, لا أن تسود حالة الإسراف والتبذير, وهذا يخالف التعاليم الدينية حيث يقول الله عز وجل: ﴿كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (الأعراف/31).

 

           ج- الناحية الروحية:

          "فالصوم سببٌ عظيم لتقوية الروح في الإنسان، فهو رياضة الروح، وطريق الإخلاص، وسبيل الصفاء، وتربية الإرادة الإنسانية.

          والصوم في حقيقته ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بقدر ما هو اختبار روحي وتدريب نفسي للتغلب على رغبات النفس وشهواتها, وتدريب عملي لتقوية النفس وسوقها إلى طريق التقوى". (5)

          وكذلك يغرس في نفس الإنسان الثقة بالنفس، والتعود على الصبر، والثبات والتحكم في الرغبات.

 

          د- الناحية الاجتماعية:

          الصوم يقرِّب الإنسان إلى أبناء مجتمعه، فيكونون على حدٍّ سواء، فالفقير والغني في حالة صوم, والصوم يجعل ذلك الغني يشعر بجوع الفقير.

          والصوم يزرع حالة التواصل والمحبة بين الأقربين والمجتمع ككل.

          ويكفي من خطبة رسول الله منهجاً ومدرسةً لتربية الإنسان على الاهتمام بنفسه وأهله ومجتمعه.

(1) الميزان في تفسير القرآن / الطباطبائي. مجلد 18.

(2)المصدر السابق مجلد 2.

(3) كتاب شرح الأربعين النبوية/ محمد الجلالي.

(4) المصدر السابق.

(5) المصدر السابق.