كربلاء دروس وعبر

الأستاذ حسين صليل *
اقرأ للكاتب أيضاً


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة على محمد وآله الطاهرين

إن الله سبحانه وتعالى أمر عباده بالتأمل في التاريخ وأخذ العبر منه قال عز وجل ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) سورة يوسف، نعم لا شك ولا ريب أن قصة النبي يوسف وإخوته التي نزلت فيها سورة في القرآن الكريم لم يقصها ربنا سبحانه وتعالى لأجل التسلية والترويح عن النفس بل سيقت للبشرية جمعاء لكي يأخذوا منها العبر والمواعظ.

إن قصة يوسف لها فوائد كثيرة منها عواقب الحسد، تعلمنا العفة والطهارة....إلخ وهكذا فإن القصص التاريخية ينبغي لنا أن نتدبر فيها لنأخذ منها دروساً تنعكس على حياتنا وتؤثر في سلوكنا، كما ورد أن السعيد من وعظ بغيره، فالعقلاء يرون من غير اللائق أن لا يستفيد الإنسان من  ما جرى على من سبقه.
من تلك الأحداث الكبيرة في تاريخ الأمة الإسلامية فاجعة كربلاء، هذه الملحمة الأليمة زاخر بالقصص والمواقف التي يمكن لنا أن نستفيد منها دروساً تنفعنا وتؤثر أثرً إيجابياً في حياتنا، الصبر والتسليم لأمر الله في كربلاء المقدسة تتجلى فضيلة الصبر والتسليم لأمر الله سبحانه وتعالى، وقد مدح القران الكريم الصبر والصابرين في مواطن عدة قال عز وجل ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) سورة الأنفال وفي آية أخرى ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) سورة آل عمران
ها هو سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه في يوم عاشوراء كالجبل الشامخ لا تحركه العواصف فرغم ما حل به من المصائب العظام التي لو وضعت على الجبال لذابت من شدتها لم يصدر من الإمام الحسين إلا التسليم لأمر الله في جميع المواطن حين قتل ولده علي الأكبر وأخوه أبو الفضل العباس و طفله الرضيع عبد الله و وأهل بيته وأصحابه جميعاً، لم يصدر منه كلمة واحدة أو موقف واحد يدل على عدم الصبر والرضا التام بقضاء الله وقدره، حتى أعداؤه قالوا فيه أنهم ما وجدوا رجلاً قتل أصحابه وأهل بيته أربط جأشاً منه، وهذه الصديقة زينب الكبرى بعد مقتل أخيها سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين تضع يدها على جسده الشريف وتقول(مضمونه) اللهم تقبل منا هذا القربان.
أين نحن من ذلك تجد أحدنا بمجرد أن تصيبه أتفه المصائب وأبسطها أقام الدنيا وأقعدها فترى البعض يقول ما لذي صنعت أنا يا رب حتى ينزل بي ما نزل، فنقول لمن له هل المصائب لا تحل إلا بالعاصين والمذنبين فهل فعل الإمام المعصوم ذنباً؟ كلا وهل أنت خل من الذنوب فعلاً تأمل قليلاً وستجد أن ما يصيبك لو كان بسبب الذنوب فقط فقد تكون مستحقاً لصاعقة من السماء تنزل وتحرقك.
علينا جميعاً أن نستلهم الصبر من يوم عاشوراء ونتأسى بإمامنا الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام.

  • الرأفة والرحمة وحفظ حقوق الإنسان

من الدروس العظيمة التي تفيضها كربلاء  الرأفة والرحمة وحفظ حقوق الإنسان كإنسان بغض النظر عن موقفنا منه، فعندما وصل جيش الحر الرياحي وكانوا جميعاً قد كظهم الظمأ فما كان من سيد الشهداء إلا أن أمر بسقيهم الماء وخيولهم.

 إنه رحمة الله الواسعة فقد كان بإمكان الإمام وهم في هذه الحالة أن يتخلص منهم جميعاً ولا ملامة عليه فهم أعداؤه وجاؤا لقتاله، لم يتعامل معهم بالمقاييس السياسية والعسكرية المجردة عن القيم الربانية التي لا تعطي للإنسان قيمة.

أين منظمات حقوق الإنسان التي تكيل بمكيالين هي اليوم مدعوة لأن تعيد مبادئها وتستفيد من ما جسده الإمام الحسين   لحفظ حقوق الإنسان بل وحقوق الحيوان حيث سقى خيولهم مع حاجته إلى الماء، وعلى العكس تماماً ما فعله أتباع بني أمية يوم عاشوراء بالإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه ونسائه وأطفاله لا يفعله حتى الوحوش الضواري، إنهم مسخت قلوبهم فلا تجد فيها إلا العمى والحقد والكراهية، فمع إدعائهم للإسلام يقتلون ابن نبي الإسلام.   

  •   الإرتباط الدائم بالله

لو تأملنا في ملحمة كربلاء نجد أن الإمام الحسين ما برح يذكر الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال وفي أحلك الظروف، لقد طلب الإمام الحسين من أعدائه أن يمهلوه سواد ليلة عاشوراء لكي يتوجه إلى الله بالصلاة والدعاء وتلاوة القران، ولقد بات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل، فلم يمنعهم  ملاقاة العدو الذي لا يرحم من التوجه إلى الله.

يوم عاشوراء عند القتال يلتفت أحد أصحاب الحسين فيقول إني أحب أن لا أموت إلا وقد صليت معك هذه الصلاة التي دنا وقتها، فيقول له عليه السلام (مضمونه) ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين، وهنا نشير إلى أمر مهم هو أنه عندما تسير مواكب العزاء ينبغي عدم تعارض وقتها مع الصلاة.

نعم الإمام الحسين دائماً متوجه إلى الله سبحانه وتعالى في جميع الحالات حتى عند قتله لم يشغل عن ذكر الله والدعاء، وعلينا أن نستفيد درساً منه في التوجه الدائم إلى الله تبارك وتعالى في جميع الأحول.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا مع الحسين وأن يحشرنا في زمرته ويرزقنا في الدنيا زيارته وفي الآخرة شفاعته وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
                                              
  5 شهر محرم الحرام 1428هـ

كاتب ( السعودية )